قائمة الا انه سقطت المؤاخذة لعذر الاكراه قال الله تبارك وتعالى من كفر بالله من بعد إيمانه الا من أكره وقلبه مطمئن بالايمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم الا من أكره وقلبه مطمئن بالايمان على التقديم والتأخير في الكلام والله سبحانه وتعالى أعلم والامتناع عنه أفضل من الاقدام عليه حتى لو امتنع فقتل كان مأجورا لأنه جاد بنفسه في سبيل الله تعالى فيرجو أن يكون له ثواب المجاهدين بالنفس هنا وقال عليه الصلاة والسلام من قتل مجبرا في نفسه فهو في ظل العرش يوم القيامة وكذلك التكلم بشتم النبي عليه الصلاة والسلام مع اطمئنان القلب بالايمان والأصل فيه ما روى أن عمار بن ياسر رضي الله عنهما لما أكرهه الكفار ورجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له ما وراءك يا عمار فقال شر يا رسول الله ما تركوني حتى نلت منك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان عادوا فعد فقد رخص عليه الصلاة والسلام في اتيان الكلمة بشريطة اطمئنان القلب بالايمان حيث أمره عليه الصلاة والسلام بالعود إلى ما وجد منه لكن الامتناع عنه أفضل لما مر ومن هذا النوع شتم المسلم لان عرض المسلم حرام التعرض في كل حال قال النبي عليه الصلاة والسلام كل المسلم على المسلم حرام دمه وعرضه وماله الا انه رخص له لعذر الاكراه وأثر الرخصة في سقوط المؤاخذة دون الحرمة والامتناع عنه حفظا لحرمة المسلم وايثارا له على نفسه أفضل ومن هذا النوع اتلاف مال المسلم لان حرمة مال المسلم حرمة دمه على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يحتمل السقوط بحال الا انه رخص له الاتلاف لعذر الاكراه حال المخمصة على ما نذكر ولو امتنع حتى قتل لا يأثم بل يثاب لان الحرمة قائمة فهو بالامتناع قضى حق الحرمة فكان مأجورا لا مأزورا وكذلك اتلاف مال نفسه مرخص بالاكراه لكن مع قيام الحرمة حتى أنه لو امتنع فقتل لا يأثم بل يثاب لان حرمة ماله لا تسقط بالاكراه ألا ترى انه أبيح له الدفع قال النبي عليه الصلاة والسلام قاتل دون مالك وكذا من أصابته المخمصة فسأل صاحبه الطعام فمنعه فامتنع من التناول حتى مات انه لا يأثم لما ذكرنا انه بالامتناع راعى حق الحرمة هذا إذا كان الاكراه تاما فإن كان ناقصا من الحبس والقيد والضرب الذي لا يخاف منه تلف النفس والعضو لا يرخص له أصلا ويحكم بكفره وان قال كان قلبي مطمئنا بالايمان فلا يصدق في الحكم على ما نذكر ويأثم بشتم المسلم واتلاف ماله لان الضرورة لم تتحقق وكذا إذا كان الاكراه تاما ولكن في أكبر رأى المكره ان المكره لا يحقق ما أوعده لا يرخص له الفعل أصلا ولو فعل يأثم لانعدام تحقق الضرورة لانعدام الاكراه شرعا والله سبحانه وتعالى أعلم (وأما) النوع الذي لا يباح ولا يرخص بالاكراه أصلا فهو قتل المسلم بغير حق سواء كان الاكراه ناقصا أو تاما لان قتل المسلم بغير حق لا يحتمل الإباحة بحال قال الله تبارك وتعالى ولا تقتلوا النفس التي حرم الله الا بالحق وكذا قطع عضو من أعضائه والضرب المهلك قال الله سبحانه وتعالى والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا واثما مبينا وكذلك ضرب الوالدين قل أو كثر قال الله تعالى ولا تقل لهما أف والنهى عن التأفيف نهى عن الضرب دلالة بالطريق الأولى فكانت الحرمة قائمة بحكمها فلا يرخص الاقدام عليه ولو أقدم يأثم والله سبحانه وتعالى أعلم (وأما) ضرب غير الوالدين إذا كان مما لا يخاف منه التلف كضرب سوط أو نحوه فيرجى ان لا يؤاخذ به وكذا الحبس والقيد لان ضرره دون ضرر المكره بكثير فالظاهر أنه يرضى بهذا القدر من الضرر لاحياء أخيه ولو أذن له المكره عليه أو قطعه أو ضربه فقال للمكره افعل لا يباح له ان يفعل لان هذا ممالا يباح بالإباحة ولو فعل فهو آثم ألا ترى انه لو فعل بنفسه أثم فبغيره أولى وكذا الزنا من هذا القبيل انه لا يباح ولا يرخص للرجل بالاكراه وإن كان تاما ولو فعل يأثم لان حرمة الزنا ثابتة في العقول قال الله سبحانه وتعالى ولا تقربوا الزنا انه كان فاحشة وساء سبيلا فدل انه كان فاحشة في العقل قبل ورود الشرع فلا يحتمل الرخصة بحال كقتل المسلم بغير حق ولو أذنت المرأة به لا يباح أيضا حرة كانت أو أمة أذن له مولاها لان الفرج لا يباح بالإباحة وأما المرأة فيرخص لها لان الذي يتصور منها ليس الا التمكين وهي مع ذلك مدفوعة إليه وهذا عندي فيه نظر لان فعل الزنا كما يتصور من الرجل يتصور من المرأة ألا ترى ان الله سبحانه وتعالى
(١٧٧)