وإذا سقى الأول، ثم احتاج إلى السقي مرة أخرى، مكن منه على الصحيح فلو تنازع اثنان أرضاهما متحاذيتان، أو أرادا شق النهر من موضعين متحاذيين يمينا وشمالا، فهل يقرع، أو يقسم بينهما، أو يقدم الامام من يراه؟ فيه ثلاثة أوجه حكاها العبادي.
قلت: أصحها: يقرع. والله أعلم ولو أراد رجل إحياء موات وسقيه من هذا النهر، نظر، إن ضيق على السابقين، منع، لأنهم استحقوا أرضهم بمرافقها، والماء من أعظم مرافقها، وإلا، فلا منع.
فرع عمارة حافات هذه الأنهار، من وظائف بيت المال.
فرع يجوز أن يبني عليها من شاء قنطرة لعبور الناس إن كان الموضع مواتا. وأما (ما) بين العمران، فهو كحفر البئر في الشارع لمصلحة المسلمين. ويجوز بناء الرحى عليها إن كان الموضع ملكا له أو مواتا محضا. وإن كان بين الأرض المملوكة، وتضرر الملاك، لم يجز، وإلا، فوجهان. أحدهما: المنع كالتصرف في سائر مرافق العمارات. وأصحهما: الجواز، كاشراع الجناح في السكة النافذة.
فصل هذا الذي سبق، إذا لم تكن الأنهار والسواقي مملوكة. أما إذا كانت مملوكة، بأن حفر نهرا يدخل فيه الماء من الوادي العظيم، أو من النهر المنخرق منه، فالماء باق على إباحته، لكن مالك النهر أحق به كالسيل يدخل ملكه، فليس لأحد مزاحمته لسقي الأرضين. وأما للشرب والاستعمال وسقي الدواب، فقال الشيخ أبو عاصم والمتولي: ليس له المنع، ومنهم من أطلق أنه لا يدلي أحد فيه دلوا، ويجوز لغيره أن يحفر فوق نهره نهرا إن لم يضيق عليه. وإن ضيق، فلا، فان اشترك جماعة في الحفر، اشتركوا في الملك على قدر عملهم، فإن شرطوا أن يكون النهر بينهم على قدر ملكهم من الأرض، فليكن عمل كل واحد