فرع طرق الأصحاب متفقة على أن الاحياء يختلف باختلاف ما يقصده المحيي من مسكن وحظيرة وغير هما. وذكر الامام شيئين.
أحدهما: أن القصد إلى الاحياء هل يعتبر لحصول الملك؟ فقال: ما لا يفعله في العادة إلا المتملك كبناء الدار واتخاذ البستان، يفيد الملك وإن لم يوجد قصد. وما يفعله المتملك وغيره، كحفر البئر في الموات، وكزراعة قطعة من الموات اعتمادا على ماء السماء، إن انضم إليه قصد، أفاد الملك، وإلا، فوجهان. وما لا يكتفي به المتملك، كتسوية موضع النزول، وتنقيته عن الحجارة، لا يفيد الملك. وإن قصده شبه ذلك بالاصطياد بنصب الأحبولة في مدارج الصيود يفيد ملك الصيد. وإغلاق الباب إذا دخل الصيد الدار على قصد التملك، يفيد الملك. ودونه وجهان. وتوحل الصيد في أرضه التي سقاها، لا يفيد الملك وإن قصده.
الشئ الثاني: إذا قصد نوعا وأتي بما يقصد به نوع آخر، أفاد الملك، حتى إذا حوط البقعة يملكها وإن قصد المسكن، لأنه مما يملك به الزريبة لو قصدها.
قال الامام الرافعي رحمه الله تعالى: أما الكلام الأول، فمقبول لا يلزم (منه) مخالفة الأصحاب، بل إن قصد شيئا اعتبرنا في كل مقصود ما فصلوه، وإلا، نظرنا فيما أتى به وحكمنا بما ذكره. وأما الثاني، فمخالفته لما ذكره الأصحاب صريحة، لما فيه من الاكتفاء بأدنى العمارات أبدا.
فرع إذا حفر بئرا في الموات للتملك، لم يحصل الاحياء ما لم يصل إلى الماء. وإذا وصل، كفى إن كانت الأرض صلبة، وإلا، فيشترط أن تطوى. وقال الامام: لا حاجة إليه. وفي حفر القناة، يتم الاحياء بخروج الماء وجريانه.
ولو حفر نهرا ليجري الماء فيه على قصد التملك، فإذا انتهى رأس النهر الذي يحفره إلى النهر القديم، وجرى الماء فيه، ملكه، كذا قاله البغوي وغيره. وفي التتمة: أن الملك لا يتوقف على إجراء الماء فيه، لأنه استيفاء منفعة كالسكون في الدار.
قلت: هذا الثاني، أقوى. والله أعلم