قلت: ذكر القاضي أبو الطيب في تعليقه، أنه لو غصب أرضا ولم يزرعها، وهي مما تنقص بترك الزرع كأرض البصرة وشبهها فإنها إذا لم تزرع نبت فيها الدغل والحشيش، كان عليه رد الحشيش وأجرة الأرض، ولم يذكر القاضي أرش النقص.
والظاهر: أنه يجب. والله أعلم ومنها: منفعة البضع، فلا تضمن بالفوات تحت اليد، لان اليد لا تثبت عليها، ولهذا يزوج السيد المغصوبة، ولا يؤجرها، كما لا يبيعها، وكذا لو تداعى رجلان نكاح امرأة، ادعيا عليها، ولا يدعي كل واحد منهما على الاخر وإن كانت عنده. وإذا أقرت لأحدهما، حكم بأنها زوجه، وذلك يدل على أن اليد لها، ولان منفعة البضع تستحق استحقاق ارتفاق للحاجة، وسائر المنافع تستحق استحقاق ملك تام. ولهذا، من ملك منفعة بالاستئجار، ملك نقلها إلى غيره بعوض أو بغيره، والزوج لا يملك، نقل منفعة البضع. فأما إذا فوت منفعة البضع بالوطئ، فيضمن مهر المثل، وسيأتي تفريعه في الفصل الثالث من الباب الثاني إن شاء الله تعالى.
ومنها: منفعة بدن الحر، وهي مضمونة بالتفويت. فإذا قهر حرا وسخره في عمل، ضمن أجرته. وإن حبسه وعطل منافعه، لم يضمنها على الأصح، لان الحر لا يدخل تحت اليد، فمنافعه تفوت تحت يده، بخلاف المال، وقال ابن أبي هريرة: يضمنها، ويقرب من الوجهين الخلاف في صورتين.
إحداهما: لو استأجر حرا وأراد أن يؤجره، هل له ذلك؟
والثانية: إذ أسلم الحر المستأجر نفسه، ولم يستعمله المستأجر إلى انقضاء المدة التي استأجره فيها، هل تتقرر أجرته؟ قال الأكثرون: له أن يؤجره وتتقرر أجرته. وقال القفال: لا يؤجره ولا تتقرر أجرته، لان الحر لا يدخل تحت اليد، ولا تحصل منافعه في يد المستأجر، ويدخل ضمانه إلا عند وجودها، هكذا ذكر الأصحاب (توجيه) الخلاف في المسائل الثلاث، ولم يجعلوا دخول الحر تحت اليد