دليلنا: أنه تمليك يصح للذمي فصح للحربي، ولما كانت تصح هبته فقد صحت الوصية له كالذمي، وقد روى أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى عمر حلة من حرير فقال (يا رسول الله كسوتنيها وقد قلت في حلة عطارد ما قلت، فقال:
إني لم أعطيكها لتلبسها، فكساها عمر أخا مشركا له بمكة).
وعن أسماء بنت أبي بكر قالت (أتتني أمي وهي راغبة تعنى عن الاسلام فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أتتني أمي وهي راغبة أفأصلها، قال: نعم وهذان الخبران فيهما صلة أهل الحرب وبرهم، والآية حجة لنا فيمن لم يقاتل، فأما المقاتل فقد نهى عن قوليه لا عن بره والوصية له، وقد رأينا كيف أن صلاح الدين الأيوبي كان يبر المقاتلة من الصليبيين حتى كان مضرب المثل في المروءة وعلو الهمة فكان يداوى مرضاهم ويأسو جراحهم، بيد أنه لم يعف عمن طغى وتجبر وقطع طريق الحاج فأقسم لئن أظفره الله به ليضربن عنقه بيده، وعندما وقع في الأسر مع غيره من ملوك أوروبا عفا عنهم جمعيا إلا ذلك فقتله بيده، برا بقسمه رغم ما عرضه الفرنجة عليه من فداء سخي بالمال بالغا ما بلغ قدره، فهذا هو طريق الشرع، وإن احتج بالمفهوم فإنه لا يراه حجة ثم قد حصل الاجماع على جواز الهبة. والوصية في معناها، فأما المرتد فعند أبي الخطاب من أصحاب الإمام أحمد تصح الوصية له كما تصح قبته. وقال ابن أبي موسى: لا تصح لان ملكه غير مستقر ولا يرث ولا يورث فهو كالميت، ولان ملكه يزول عن ماله بردته في قول جماعه منهم فلا يثبت له الملك بالوصية، وقد مضى مذهبنا فيه في الوقف.
(فرع) الوصية للقاتل فيها قولان.
أحدهما - وهو مذهب مالك رضي الله عنه تجوز الوصية، وإن لم يرث كما تجوز الوصية للكافر، وإن لم يرث، ولأنه تمليك يراعى فيه القبول فلم يمنع منه القتل كالبيع، وهذا أحد الأوجه الثلاثة عند الحنابلة حيث قال ابن حامد: تجوز الوصية له. وهو قول أبي ثور وابن المنذر أيضا.
والقول الثاني وهو قول أبي حنيفة رضي الله عنه وأحد الأوجه الثلاثة