فجعل زوال الملك عن الموات شرطا في جواز ملكه بالاحياء. ودل على أن ما جرى عليه ملك لم يجز أن يملك بالاحياء.
وروى أسامة بن مضرس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو له مال، فخرج الناس يتعادون يتخاطون) وهذا نص ولأنها أرض استقر عليها ملك أحد المسلمين فلم يجز أن تملك بالاحياء كالتي بقيت آثارها عند مالك، وكالتي تعين أربابها عند أبي حنيفة، ولان ما صار مواتا من عامر المسلمين لم يجز إحياؤه بالتملك كالأوقاف والمساجد.
وأما استدلالهم بقوله صلى الله عليه وسلم (من أحيا أرضا مواتا فهي له) فهو دليل عليهم، لان الأول قد أحياها، فوجب أن يكون أحق بها من الثاني لامرين أحدهما: أنه سبق. والثاني: أن ملكه قد ثبت باتفاق. وأما الجواب عن قياسهم على الجاهلي وعلى التي لم تزل خرابا فالمعنى فيها أنها لم يجر عليها ملك مسلم.
قال المصنف رحمه الله تعالى:
(فصل) والاحياء الذي يملك به أن يعمر الأرض لما يريده، ويرجع في ذلك إلى العرف، لان النبي صلى الله عليه وسلم أطلق الاحياء ولم يبين فحمل على المتعارف، فإن كان يريده للسكنى فأن يبنى سور الدار من اللبن والآجر والطين والجص إن كانت عادتهم ذلك، أو القصب أو الخشب إن كانت عادتهم ذلك، ويسقف وينصب عليه الباب لأنه لا يصلح للسكنى بما دون ذلك، فإن أراد مراحا للغنم أو حظيرة للشوك والحطب بنى الحائط ونصب عليه الباب، لأنه لا يصير مراحا وحضيرة بما دون ذلك، وإن أراد للزراعة فأن يعمل لها مسناة ويسوق الماء إليها من نهر أو بئر، فإن كانت الأرض من البطائح فأن يحبس عنها الماء لان إحياء البطائح أن يحبس عنها الماء كما أن إحياء اليابس بسوق الماء إليه، وبحرثها، وهو إن يصلح ترابها، وهل يشترط غير ذلك؟ فيه ثلاثة أوجه.
(أحدها) أنه لا يشترط غير ذلك وهو المنصوص في الام، وهو قول أبي إسحاق، لان الاحياء قد تم وما بقي إلا الزراعة، وذلك انتفاع بالمحيا فلم يشترط كسكنى الدار.