قال المصنف رحمه الله تعالى:
باب ما يعتبر من الثلث ما وصى به من التبرعات كالعتق والهبة والصدقة والمحاباة في البيع يعتبر من الثلث، سواء كانت في حال الصحة أو في حال المرض، أو بعضها في لصحة وبعضها في المرض، لان اللزوم الجميع عند الموت، فأما الواجبات من ديون الآدميين وحقوق الله تعالى كالحج والزكاة فإنه إن لم يوص بها وتجب قضاؤها من رأس المال دون الثلث، لأنه إنما منع من الزيادة على الثلث لحق الورثة، ولا حق للورثة مع الديون، فلم تعتبر من الثلث وإن وصى أن يؤدى ذلك من الثلث اعتبر من الثلث، لأنها في الأصل من رأس المال فلما جعلها من الثلث علم أنه قصد التوفير على الورثة فاعترت من الثلث، وإن وصى بها ولم يقل إنها من الثلث، ففيه ثلاثة أوجه (أحدها) أنه تعتبر من الثلث وهو ظاهر النص، لأنها من رأس المال، فلما وصى بها علم أنه قصد أن يجعلها من جملة الوصايا فجعل سبيلها سبيل الوصايا.
(والثاني) وهو قول أبي علي بن أبي هريرة إنه إن لم يقرن بها ما يعتبر من الثلث اعتبر من رأس المال، وان قرن بها ما يعتبر من الثلث اعتبر من الثلث، لأنها في الأصل من رأس المال، فإذا عريت عن القرينة بقيت على أصلها، وان قرن بها ما يعتبر من الثلث علم أنه قصد أن يكون مصرفهما واحدا.
(والثالث) أنه تعتبر من رأس المال وهو الصحيح. لأنها في الأصل من رأس المال والوصية بها تقتضي التأكيد والتذكار بها، والقرينة تقتضي التسوية بينهما في الفعل، لا في السبيل، فبقيت على أصلها.
(فصل) وأما ما تبرع به في حياته ينظر فيه فإن كان في حال الصحة لم يعتبر من الثلث لأنه مطلق التصرف في ماله لا حق لاحد في ماله فاعتبر من رأس المال، وإن كان ذلك في مرض غير مخوف لم يعتبر من الثلث، لان الانسان لا يخلو من عوارض فكان حكمه حكم الصحيح، وإن كان ذلك في مرض مخوف