الكعب ثم برسل إلى الذي يليه فيصنع كذلك، وعلى هذا إلى أن تنتهي الأراضي كلها، فإن لم يفضل عن الأول شئ أو عن الثاني أو عمن يليهم فلا شئ للباقين، لأنه ليس لهم إلا ما فضل، فهم كالعصبة في الميراث، وهذا قول الفقهاء من أهل المدينة ومالك والشافعي وأحمد ولا نعلم فيه ومخالفا، والأصل فيه حديث الزبير، قال الزهري: نظرنا في قول النبي صلى الله عليه وسلم (ثم احبس الماء حتى يبلغ إلى الجدر) فوجدنا ذلك إلى الكعبين.
قال أبو عبيد: الشراج جمع شرج، والشرج نهر صغير، والحرة أرض ملتبسة بحجارة بركانية سود، والجدر الجدار، وإنما أمر النبي صلى الله عليه وسلم الزبير ان يسقى ثم يرسل الماء تسهيلا على غيره، والله تعالى أعلم.
قال المصنف رحمه الله تعالى:
(فصل) وان اشترك جماعة في استنباط عين اشتركوا في مائها، فان دخلوا على أن يتساووا، تساووا في الانفاق، وان دخلوا على أن يتفاضلوا تفاضلوا في الانفاق، ويكون الماء بينهم على قدر النفقة، لأنهم استفادوا ذلك بالانفاق فكان حقهم على قدره، فإن أرادوا سقى أراضيهم بالمهاياة يوما يوما جاز، وان أرادوا قسمة الماء نصبوا خشبة مستوية قبل الأراضي وتفتح فيها كوى على قدر حقوقهم، فخرج حصة كل واحد منهم إلى أرضه، فان أراد أحدهم أن يأخذ حقه من الماء قبل المقسم في ساقية يحفرها إلى أرضه منع من ذلك، لان حريم النهر مشترك بينهم، فلا يجوز لواحد منهم ان يحفر فيه، فان أراد أن ينصب رحا قبل المقسم ويديرها بالماء منع من ذلك، لأنه يتصرف في حريم مشترك، فان أراد أن يأخذ الماء ويسقى به أرضا أخرى ليس لها رسم بشرب من هذا النهر منع منه يجعل لنفسه شربا لم يكن له، كما لا يجوز لمن له داران متلاصقان في دربين أن يفتح من أحدهما بابا إلى الأخرى فيجعل لنفسه طريقا لم يكن له، والله تعالى أعلم.
(الشرح) قوله: بالمهايأة أي بالمناوبة. وقوله: كوى جمع كوة بضم الكاف وتشديد الواو مثل مدية ومدى وتفتح أيضا وهي الثقب في الحائط.