أنه أبن بدويين وإقراره في يدي ملتقطه أرجى لكشف نسبه، ويحتمل أن يؤخذ منه فيدفع إلى صاحب قرية لأنه أرفه له وأخف عليه وكل موضع قلنا ينزع من ملتقطه فإنما يكون ذلك إذا وجد من يدفع إليه ممن هو أولى به، فإن لم يوجد من يقوم به أقر في يدي ملتقطه، لان إقراره في يديه مع قصوره أولى من إهلاكه، وإن لم يوجد إلا مثل ملتقطه فملتقطه أولى به. إذ لا فائدة في نزعه من يده، ودفعه إلى مثله.
(فرع) إذا التقطه فقير فإن قلنا إنه لا يقدر على حضانته من حيث ضعف الامكانيات اللازمة لحياة الطفل من الأمور التي تخرج من الانفاق، إذ أن الانفاق لا يلزم الملتقط كما قررنا قبل، كأن كان مسكنه غير صحي لا تتوفر فيه وسائل التهوية ولا أسباب الوقاية والنظافة، فعلى هذا الوجه لا يقر في يده، وإن قلنا بأن الأمور تجرى بضمان الله وكفالته، وأن الله تعالى تكفل بحفظه إذا شاء، وأن الأسباب الضرورية للحياة التي ينشأ عليها أبناء الفقراء مألوفة عندهم ويشبون عليها وتبنى فيها أجسامهم كأقوى ما تبنى الأجسام، وقد رأينا بالحس والمشاهدة ما يتمتع به أبناء الفقراء من مناعة ضد الأمراض مع الكفاف في العيش، وذلك من رعاية الله تعالى لخلقه، فعلى هذا الوجه يقر في يده والله أعلم قال المصنف رحمه الله تعالى:
(فصل) وإن تنازع في كفالته نفسان من أهل الكفالة قبل أن يأخذاه، أخذه السلطان وجعله في يد من يرى منهما أو من غيرهما، لأنه لا حق لهما قبل الاخذ ولا مزية لهما على غيرهما، فكان الامر فيه إلى السلطان. وإن التقطاه وتشاحا أقرع بينهما، فمن خرجت عليه القرعة أقر في يده.
وقال أبو علي بن خيران: لا يقرع بينهما، بل يجتهد الحاكم فيقره في يد من هو أحظ له، والمنصوص هو الأول لقوله تعالى (وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم) ولأنه لا يمكن أن يجعل في أيديهما، لأنه لا يمكن اجتماعهما على الحضانة، ولا يمكن أن يجعل بينهما مهايأة، لأنه تختلف عليه الأخلاق والأغذية فيستضر، ولا يمكن أن يقدم أحدهما لأنهما متساويان في