وإن رأياها معا فبادر أحدهما فأخذها، أو رآها أحدهما فأعلم بها صاحبه فأخذها فهي لآخذها، لان استحقاق اللقطة بالأخذ لا بالرؤية كالاصطياد. وإن قال أحدهما لصاحبه: هاتها فأخذها نظرت، فان أخذها لنفسه فهي له دون الآمر، وإن أخذها للآمر فهي له كما لو وكله في الاصطياد له.
قال المصنف رحمه الله تعالى:
(فصل) وإذا أخذها عرف عفاصها، وهو الوعاء الذي تكون فيه، ووكاءها وهو الذي تشد به وجنسها وقدرها، لما روى زيد بن خالد الجهني أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن اللقطة فقال (اعرف عفاصها ووكاءها وعرفها سنة، فان جاء من يعرفها وإلا فاخلطها بمالك) فنص على العفاص والوكاء، وقسنا عليهما الجنس والقدر، ولأنه إذا عرف هذه الأشياء لم تختلط بماله، وتعرف به صدق من يدعيها، وهل يلزمه أن يشهد عليها وعلى اللقيط؟ فيه ثلاثة أوجه.
(أحدهما) لا يجب لأنه دخول في أمانة فلم يجب الاشهاد عليه كقبول الوديعة (والثاني) يجب لما روى عياض بن حمار رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من التقط لقطة فليشهد ذا عدل، أو ذوي عدل ولا يكتم ولا يغيب) ولأنه إذا لم يشهد لم يؤمن أن يموت فتضيع اللقطة أو يسترق اللقيط.
(والثالث) أنه لا يجب لأنه اكتساب مال فلم يجب الاشهاد عليه كالبيع، ويجب على اللقيط لأنه يحفظ به النسب فوجب الاشهاد عليه كالنكاح، وإن أخذها وأراد الحفظ على صاحبها لم يلزمه التعريف، لان التعريف للتملك فإذا لم يرد التملك لم يجب التعريف.
فان أراد أن يتملكها نظرت، فإن كان مالا له قدر يرجع من ضاع منه في طلبه لزمه أن يعرفه سنة لحديث عبد الله بن عمرو. وحديث زيد بن خالد، وهل يجوز تعريفها سنة متفرقة؟ فيه وجهان.
(أحدهما) لا يجوز، ومتى قطع استأنف، لأنه إذا قطع لم يظهر أمرها ولم يظهر طالبها.