(فصل) وإن دفع ثوبا إلى رجل فخاطه ولم يذكر له أجرة فقد اختلف أصحابنا فيه أربعة أوجه.
أحدها: أنه تلزمه الأجرة، وهو قول المزني رحمه الله، لأنه استهلك عمله فلزمه أجرته.
والثاني: أنه إن قال له: خطه لزمه، وإن بدأ الرجل فقال: أعطني لأخيطه لم تلزمه وهو قول أبي إسحاق لأنه إذا أمره فقد ألزمه بالامر، والعمل لا يلزم من غير أجرة فلزمته، وإذا لم يأمره لم يوجد ما يوجب الأجرة فلم تلزم.
والثالث: أنه إذا كان الصانع معروفا بأخذ الأجرة على الخياطة لزمه، وإذا لم يكن معروفا بذلك لم يلزمه، وهو قول أبى العباس، لأنه إذا كان معروفا بأخذ الأجرة صار العرف في حقه كالشرط، وإن لم يكن معروفا لم يوجد ما يقتضى الأجرة من جهة الشرط ولا من جهة العرف.
والرابع: وهو المذهب: أنه لا يلزمه بحال، لأنه بذل ماله من غير عوض فلم يجب له العوض، كما لو بذل طعامه لمن أكله، وان نزل رجل في سفينة ملاح بغير اذنه فحمله فيها إلى بلد لزمه الأجرة، لأنه استهلك منفعة موضعه من السفينة من غير اذن فلزمه أجرتها، وان نزل فيها عن اذنه ولم يذكر الأجرة، فعلى ما ذكرناه من الوجوه الأربعة في الخياطة، وبالله التوفيق.
(الشرح) قال الماوردي في الحاوي الكبير: وليس لمؤجر الأرض أن يحتبس الأرض على المستأجر على دفع الأجرة، ولا للجمال أن يحبس ما استؤجر على حمله من المبتاع ليأخذ الأجرة لأنه في يده أمانة وليس برهن. فأما الصانع المستأجر على عمل من خياطة أو صباغة هل له احتباس ما بيده من العمل على أجرته؟ فيه وجهان.
أحدهما: ليس له ذاك قياسا على ما ذكرنا، والثاني: له ذاك لان عمله ملك له كالبائع، فإذا حبس الصانع الثوب بعد عمله على استيفاء الاجر فتلف ضمنه، لأنه لم يرهنه عنده، ولا اذن له في امساكه، فلزمه الضمان كالغاصب، وبهذا قال أصحاب أحمد كما أفاده ابن قدامة.
(فرع) إذا عمل الصانع عملا لغيره بإذنه كأن دفع ثوبا إلى قصار ليقصره