قال المصنف رحمه الله تعالى:
(فصل) فان استأجر عينا لمنفعة وشرط عليه ان لا يستوفى مثلها أو دونها أو لا يستوفيها لمن هو مثله أو دونه ففيه ثلاثة أوجه (أحدها) أن الإجارة باطله لأنه شرط فيها ما ينافي موجبها فبطلت (والثاني) أن الإجارة جائزة، والشرط باطل، لأنه شرط لا يؤثر في حق المؤجر، فألغى وبقى العقد على مقتضاه (والثالث) أن الإجارة جائزة والشرط لازم، لان المستأجر يملك المنافع من جهة المؤجر فلا يملك ما لم يرض به.
(فصل) وللمستأجر أن يؤجر العين المستأجرة إذا قبضها لان الإجارة كالبيع وبيع المبيع يجوز بعد القبض فكذلك إجارة المستأجر، ويجوز من المؤجر وغيره كما يجوز بيع المبيع من البائع وغيره وهل يجوز قبل القبض فيه ثلاثة أوجه (أحدها) لا يجوز كما لا يجوز بيع المبيع قبل القبض (والثاني) يجوز لان المعقود عليه هو المنافع، والمنافع لا تصير مقبوضة بقبض العين، فلم يؤثر فيها قبض العين (والثالث) أنه يجوز إجارتها من المؤجر لأنها في قبضته، ولا يجوز من غيره لأنها ليست في قبضته، ويجوز أن يؤجرها برأس المال وبأقل منه وبأكثر لأنا بينا أن الإجارة بيع وبيع المبيع يجوز برأس المال وبأقل منه وبأكثر منه، فكذلك الإجارة (فصل) وإن استأجر عينا لمنفعة فاستوفى أكثر منها فإن كانت زيادة تتميز بأن اكترى ظهرا ليركبه إلى مكان فجاوز أو ليحمل عليه عشرة أقفزة فحمل عليه أحد عشر قفيزا لزمه المسمى لما عقد عليه وأجرة المثل لما زاد لأنه استوفى المعقود عليه فاستقر عليه المسمى واستوفى زيادة فلزمه ضمان مثلها، كما لو اشترى عشرة أقفزة فقبض أحد عشر قفيزا. فإن كانت الزيادة لا تتميز بأن اكترى أرضا ليزرعها حنطة فزرعها دخنا، فقد اختلف أصحابنا فيه، فذهب المزني وأبو إسحاق إلى أن المسألة على قولين (أحدهما) يلزمه أجرة المثل للجميع، لأنه تعدى بالعدول عن المعقود عليه إلى غيره، فلزمه ضمان المثل كما لو اكترى أرضا للزراعة فزرع أرضا أخرى.