قال المصنف رحمه الله تعالى:
* (باب الجعالة) * يجوز عقد الجعالة وهو أن يبذل الجعل لمن عمل له عملا من رد ضالة ورد آبق وبناء حائط وخياطة ثوب وكل ما يستأجر عليه من الأعمال، والدليل عليه قوله تعالى (ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم) وروى أبو سعيد الخدري (أن ناسا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أتوا حيا من أحياء العرب فلم يقروهم، فبينما هم كذلك إذ لدغ سيد أولئك فقالوا هل فيكم راق فقالوا لم تقرونا فلا نفعل أو تجعلوا لنا جعلا فجعلوا لهم قطيع شاء فجعل رجل يقرأ بأم القرآن ويجمع بزاقة ويتفل فبرأ الرجل فأتوهم بالشاء فقالوا: لا نأخذها حتى نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فضحك وقال: ما أدراك إنها رقية؟ خذوها واضربوا إلى فيها بسهم ولان الحاجة تدعو إلى ذلك من رد ضالة وآبق وعمل لا يقدر عليه فجاز كالإجارة والمضاربة. (فصل) ويجوز ان يعقد لعامل غير معين للآية، ولأنه قد يكون له عمل ولا يعرف من يعمله، فجاز من غير تعيين، وروى المزني في المختصر عن الشافعي رحمه الله في المنثور أنه قال إذا قال أول من يحج عنى فله مائة فحج عنه رجل أنه يستحق المائة. وقال المزني: ينبغي أن يستحق أجرة المثل لأنه إجازة فلم تصح من غير تعيين، وهذا خطا، لان ذلك جعالة، وقد بينا ان الجعالة تجوز من غير تعيين العامل.
(فصل) وتجوز على عمل مجهول للآية، ولان الحاجة تدعو إلى ذلك فجاز مع الجهالة كالمضاربة، ولا تجوز الا بعوض معلوم، لأنه عقد معاوضة فلا تجوز بعوض مجهول كالنكاح، فان شرط له جعلا مجهولا فعمل استحق أجرة المثل، لان كل عقد وجب المسمى في صحيحه وجب المثل في فاسده، كالبيع والنكاح.