(فرع) قال الشافعي رحمه الله: وإن رهنه أرضا من أرض الخراج فالرهن مفسوخ، لأنها غير مملوكة، واختلف أصحابنا في تأويل هذا فقال أبو سعيد الإصطخري أراد الشافعي رحمه الله بذلك سواد العراق، وذلك أن أمير المؤمنين عمر (رض) افتتحها وأخرجها من أيدي المجوس وقسمها بين الناس واستغلوها سنتين أو ثلاثا، ثم رأى أنهم قد اشتغلوا بالأرض عن الجهاد فسألهم أن يردوها عليه فمنهم من طابت نفسه بالرد بغير عوض، ومنهم من لم يطيب نفسا إلا بعوض ثم وقفها أمير المؤمنين على المسلمين وأجرها ممن هي في يده على كل نوع من الغلات أجرة معلومه لا إلى غاية، فعلى هذا لا يجوز بيعها أو رهنها، وهذا ظاهر النص وقال أبو العباس بن سريج: لما استردها أمير المؤمنين من المسلمين باعها ممن هي في يده، وجعل منها جعلا هو الخراج الذي يؤخذ منهم، فيجوز بيعها ورهنها لان الناس من وقت أمير المؤمنين إلى وقتنا هذا يبيعونها ويبتاعونها من غير منكر. وأما قول الشافعي رحمه الله فمحمول عليه لو أوقف الامام أرضا وضرب عليها الخراج، فإن قيل فهذا الذي قلتموه في فعل أمير المؤمنين من التأويلين جميعا لا يصح على مذهب الشافعي ولا غيره، ولان الإجارة لا تجوز إلى غير مدة معلومة ولا بأجرة غير معلومة، وكذلك البيع لا يجوز إلى أجل غير معلوم، ولا بثمن غير معلوم.
فالجواب أن هذا إنما لا يصح إذا كانت المعاملة في أموال المسلمين، فأما إذا كانت في أملاك المشركين فيصح، ألا ترى أن رجلا لو قال من جاء بعبدي الآبق فإن له عبدا وثوبا وهما غير موصوفين لم يكن هذا جعلا صحيحا، ولو قال الامام من دلنا على القلعة الفلانية فله منها جارية كان جعلا صحيحا اه.
فإن كان في الخراج بناء أو غراس، فإن كان محدثا في أرض الخراج من غيرها صح بيعه ورهنه مفردا، وان باعه أو رهنه مع أرض الخراج - وقلنا لا يصح بيعها ورهنها بطل في الأرض، وهل يصح في البناء والغراس؟ فيه قولان، بناء على القولين في تفريق الصفقة، وقد مضى ذكر ذلك، وإن كان البناء والغراس من أرض الخراج لم يصح بيعه ورهنه.