مصباح المنهاج ، الطهارة - السيد محمد سعيد الحكيم - ج ١ - الصفحة ٢٩٤
والفضل مما عرفت وهنه، فلا وثوق بطعنه، خصوصا بلحاظ القرائن الآتية.
وعليه يكفي في توثيق الرجل ظهور حال ابن قولويه في توثيقه، لأنه من رجال كامل الزيارة، وقد أكثر فيه الرواية عنه.
مضافا إلى ظهور ذلك أيضا من الكشي، فإنه وإن ذكر الكلمات المتقدمة عن الفضل وأيوب بن نوح، ولكنه قال: " قد روى عنه الفضل وأبوه ويونس ومعمد بن عيسى العبيدي ومحمد بن الحسين ابن أبي الخطاب والحسن والحسين ابنا سعيد الأهوازيان ابنا دندان وأيوب بن نوح وغيرهم من العدول والثقات من أهل الملم (٦).
كما أنه ذكر الأخبار الكثيرة المادحة له، ولم يذكر شيئا من الأخبار الذامة في ترجمته، وإنما ذكر خبر أحمد بن محمد بن عيسى الآتي في ترجمة زكريا بن آدم. ولعله لما يأتي من عدم نهوضه بالطعن في محمد.
فإن التأمل في جميع ذلك قاض بظهور حال الكشي في توثيق الرجل وإجلاله، بل هو ظاهر ما تقدم عن الفضل وأيوب بن نوح، بل كلام الكشي مشعر أو ظاهر بأن رواية الأجلاء الذين ذكرهم عنه تكشف عن وثاقته عندهم.
وقد تحصل من جميع ما ذكرنا: عدم التعويل على القدح المتقدم من الأصحاب في حق الرجل، إما لتنافي كلامي الشخص الواحد فيه - كما في الشيخين - أو لعدم الاعتداد بتضعيف الشخص - كما هو حال ابني الغضائري وعقدة - أو لعدم ظهور ما نقل عن الشخص في الجرح - كما عرفته عن الفضل ابن شاذان وأيوب بن نوح - أو لقرب ضعف مستند الجرح، كما أشرنا إليه في تعقيب ما ذكر. النجاشي، فلا ينهض شئ من ذلك لمعارضة التوثيق المشار إليه.
هذا، ولو فرض سقوطهما مما بالمعارضة لزم النظر في حال الرجل بغض النظر عما ذكروه.
ولا بد من النظر أولا فيما يساق لقدحه، حيث قد يقدح..
تارة: بالغلو، كما يشير إليه ما ذكر. المفيد في كلامه المتقدم حول روايات الأشباح، والشيخ في الفهرستوابن الغضائري.
وأخرى: بما تقدم عن أيوب بن نوح وابن داوود من أن رواياته بالوجادة، لا بالسماع أو الإجازة، فإنه وإن لم يدل على كذبه، إلا أنه موهن لرواياته. بل تأخير إخباره بذلك إلى موته قد يدل على تدليسه في السكوت عن ذلك حين روايته.
وثالثة: بما رواه الكشي في ترجمة زكريا بن آدم عن أحمد بن محمد بن عيسى القمي قال: " بعث إلى أبو جعفر عليه السلام غلامه ومعه كتاب فأمرني أن أصير إليه وهو بالمدينة نازل في دار بزيع، فدخلت وسلمت عليه، فذكر في صفوان ومحمد بن سنان وغيرهما مما قد سمعه غير واحد، فقلت في نفسي:
استعطفه على زكريا بن آدم لعله أن يسلم مما قال في هؤلاء... ".
ويندفع الأول: بما ذكرناه آنفا من عدم التعويل على تضعيف ابن الغضائري، وتنافي كلام الشيخين على أنهما لم يقطعا بنسبة الغلو إليه بل ذكر المفيد أنه متهم به، وذكر الشيخ اشتمال رواياته عليه، وهما أعم من غلوه.
مضافا إلى أن تحديد الغلو في كلام القدماء لا يخلو عن غموض، كما تعرض له غير واحد. بل ما روي عن صفوان صريح في عدم غلوه.
ومثله ما في تنقيح المقال عن ابن طاووس بسنده إلى الحسين بن أحمد المالكي. قال: " قلت لأحمد بن مليك: أخبرني عما يقال في محمد بن سنان من أمر الغلو. قال: معاذ الله هو والله علمني الطهور وحبس العيال وكان متقشفا متعبدا ".
على أن غلوه في عقيدته لا ينافي وثاقته ني خبره الذي هو المهم في المقام.
كما يندفع الثاني: بأنه لا مانع من التعويل على الرواية بالوجادة إذا تعهد الراوي بالمضمون، لوصوله إليه بطريق الحس أو الحدس الملحق بالحي، كما هو الأصل في الاخبار بالأمور الحسية، على أنه لم يظهر من ابن سنان أن جميع رواياته بالوجادة، بل لعله أراد خصوص ما حدث به أيوب بن نوح، بل من البعيد من مثله عدم الرواية بالسماع مع كونه من أصحاب الأئمة عليهم السلام.
بل لعله أراد قسما معينا مما حدث به أيوب لا تمامه، كيف وقد تقدم من الكشي أن أبوب بن نوح نفسه روى عن ابن سنان!
ولزوم التدليس منه في تأخير الأخبار عن ذلك موقوف على كونه يرى حرمة الرواية بالوجادة، لعدم التعويل عليها، وهو غير ثابت، بل لعله كان يرى جواز ذلك، وإنما أخبر به تورعا أو لتبدل نظره.
مع أنه لا أثر للتدليس - لو تم - لظهور حال الاعتراف في التوبة الموجبة لرجوع العدالة، فيستكشف من سكوته عن بقية أخباره صحتها. فلاحظ.
وأما الثالث: فيكفي في وهنه انضمام صفوان بن يحيى المعلوم الجلالة إلى محمد بن سنان، لكشف ذلك عن عدم صدور الذم لبيان الواقع، بل لمصالح أخر، كحفظهما أو التخلص من تبعة انتسابهما إليه أو نحو ذلك مما قد يناسب رفعة مقامهما.
فهو من مؤيدات الوثاقة، كبقية الروايات الدالة على الطعن فيهما والرجوع عنه منهم عليهم السلام إلى المدح لهما.
وحيث ظهر وهن أدلة الجرح فالمتعين البناء على وثاقة الرجل، بل رفعة مقامه، إذ لا ربب في أن له نحو اختصاص بالأئمة الثلاثة الكاظم والرضا والجواد (عليهم وعلى آبائهم وأبنائهم أفضل الصلاة والسلام). كما تقدم من الغيبة، بل الظاهر أنه من ذوي أسرارهم، نظير صفوان، ما يشهد به جمعهما في كثير من أخبار المدح وغيرها مما ذكره. الكشي في ترجمة الرجل.
بل هو المناسب لنسبة الغلو له ممن عرفت، فإن ذلك يستلزم شدة عقيدة الرجل بالأئمة عليهم السلام واغراقه فيهم، وإظهار بعض كراماتهم الخفية التي بصعب نحملها على بعض العقول، فيتسارعون إلى نسبة ناقلها للغلو والكذب، كما قد يقارن ضعف ملكة الرجل وهمه بالغلو، كما يشير إليه ما نقله النجاشي عن صفوان في حقه، ونقله الكشي أيضا عنه بطريقين. بل قد يستلزم انتساب الغلاة إليه وتكثرهم به، كما أشار إليه المفيد في كلامه السابق، فتقوى الشبهة عليه.
هذا، ولا ريب في أن الاختصاص بهم عليهم السلام ملازم للوثاقة والعدالة، بل الجلالة، والخروج عنها يحتاج إلى انقلاب وسوء عاقبة، والأصل عدمه.
مضافا إلى كثير من الروايات التي ذكرها الكشي المتضمنة لمدحه بمدائح جليلة، فإنها وإن لم تخل عن ضعف السند، إلا أنها صالحة لتأييد ما ذكرناه.
بل قد تصلح بمجموعها للاستدلال. خصوصا بعد ظهور غير واحد في قبولها في الجملة، لظهور اقتصار الكشي على تلك النصوص وإكثاره منها في اعتماده عليها، وكذا الشيخ في كتاب الغيبة في كلامه المتقدم، والنجاشي في ذكره لما عن صفوان من نفي الغلو عنه.
مع أن الأصحاب قد أكثروا من الرواية عنه، فقد ذكر في تنقيح المقال في تمييزه سبعين رجلا، وفيهم من الأعاظم والأجلاء والأكابر العدد الكثيرة ومنهم أحمد بن محمد بن عيسى الذي أخرج البرقي عن قم لروايته عن الضعفاء واعتماده المراسيل، والحسن بن محبوب صاحب كتاب المشيخة، ومحمد بن الحسين بن أبي الخطاب، والحسن والحسين ابنا سعيد، والفضل بن شاذان وغيرهم من يضيق المقام بذكرهم.
أضف إلى ذلك اشتهار رواياته وكثرتها في كتب الأصحاب على اختلاف طبقاتهم وفتواهم بمضامين كثير منها، كما تعرض لذلك الأردبيلي والمجلسي والوحيد وغيرهم. فإن التأمل في جميع ذلك يوجب الوثوق بالرجل والركون إلى رواياته.
بل الانصاف أن ذلك يوجب الخدش في طعون من تقدم، للاطمئنان معه بخطأ مستندها، بنحو لا تصلح لمعارضة التوثيق ممن عرفت، كما أشرنا إليه آنفا.
وكأن منشأ الطعن إظهاره لبعض أسرار الأئمة عليهم السلام الثقيلة وكراماتهم الخفية المناسبة لاختصاصه بهم عليهم السلام، فقد روى الكشي عنه أنه كان يقول: " من كان يريد المعضلات فإلي، ومن أراد الحلال والحرام فعليه بالشيخ. يعني: صفوان بن يحيى " (7)، وقد أوجب ذلك الطعن فيه، إما لضعف بعض العقول عن تحمل ذلك، أو نقية - كما يظهر مما تقدم عن الفضل بن شاذان من المنع عن الرواية عنه في حياته والإذن فيها بعد موته - أو لابطال تدبير الغلاة في تشبثهم به، دفعا للأفسد بالفاسد، أو لنحو ذلك مما أوجب اشتباه الأمر وخفاء الحال، واضطرابهم في ذلك.
ومن الظاهر أن شيئا من ذلك لا مجال لاحتماله قي التوثيق المستفاد ممن عرفت، وكفى به مرجحا على الجرح. فلاحظ. والله سبحانه وتعالى العالم العاصم.
(1) رجال الكشي ص: 332.
(2) رجال الكشي ص: 427.
(3) رجال الكشي ص: 427.
(5) رجال الكشي من: 428.
(6) رجال الكشي ص: 428.
(7) رجال الكشي ص: 428.