ومما ذكرنا يظهر جواز الاحتياط في العبادات حتى لو لزم التكرار، وما يظهر من شيخنا الأعظم قدس سره من الاتفاق على المنع حينئذ - مع عدم ثبوته - لا ينهض حجة للمنع بعد عدم وضوح كونه إجماعا تعبديا كاشفا عن رأي المعصوم عليه السلام ليمنع الخروج به عما عرفت من الاطلاقات اللفظية، والمقامية، والأصل.
ومثله دعوى مجانبته لسيرة المتشرعة، لقرب كونها ناشئة من صعوبة الاحتياط بالتكرار، ولذا لو فرض صعوبة الفحص، لم يكن الاحتياط بالوجه المذكور بعيدا عن طريقتهم، ولا مستنكرا في مرتكزاتهم.
وأما ما ذكره من أن من احتاط بالتكرار الكثير مع تمكنه من الفحص، عد لاعبا بأمر المولى، والفرق بين القليل والكثير لا يرجع إلى محصل.
فإن أراد من اللعب ما يساوق الاستهانة بالأمر فهو ممنوع، وإن أراد به ما يساوق عدم الغرض العقلائي في كيفية امتثاله فهو ليس محذورا، على أنه قد يكون له غرض فيه يخرجه عن ذلك، كصعوبة الفحص وأهمية إحراز الواقع الحقيقي.
وبالجملة: الظاهر أنه لا محذور في الاحتياط مطلقا، ليخرج به عن القاعدة المقتضية لحسنه كما عرفت، كما أوضحناه في مباحث القطع من الأصول.
ثم إنه كما يشرع الاحتياط في الحكم الواقعي، كذلك يشرع في موافقة الحجة عليه عند احتمالها، أو اشتباهها ولو أمكن الفحص المعين لها، فيجوز عند دوران التقليد بين شخصين مثلا، الأخذ بأحوط القولين، لما فيه من تحصيل الوظيفة العملية الظاهرية، وإن لم يحرز به الحكم الواقعي، لبعض الاحتمالات التي لا تكون منجزة في حق المكلف، لعين ما ذكرناه. فلاحظ.
تنبيه:
الأدلة المتقدمة على التخيير بين التقليد أو الاجتهاد والاحتياط إنما تنفع المجتهد المستقل بالنظر في مقام الفتوى أو العمل.
أما العامي فاللازم عليه الاقتصار على المتيقن في الخروج عن عهدة