واستدلت المعتزلة بهذه الآية على أن مرتكب الكبيرة يخلد في نار جهنم وأنه إذا قتل مؤمنا يستحق الخلود فيها ولا يعفى عنه.
ولنا أن نقول لهم: ما أنكرتم أن يكون المراد بالآية الكفار ومن لا ثواب له أصلا فأما من يستحق الثواب فلا يجوز أن يكون مرادا بالخلود في النار أصلا، وقد استوفى الكلام فيه أصحابنا في الأصول.
وقد ذكر جماعة من المفسرين: أن الآية متوجهة إلى من يقتل مؤمنا تعصبا لإيمانه وذلك لا يكون إلا كافرا.
وقال علي بن موسى القمي: إن التقدير في الآية من يقتل مؤمنا لدينه والوعيد ورد على هذا الوجه لأنه إذا قتله لأجل أنه مؤمن فقد كفر.
فصل:
أما قوله تعالى: يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه وإن لم تؤتوه فاحذروا، فقد قال أبو جعفر ع: نزلت في أمر بني النضير وبني قريظة.
قال قتادة: إنما كان ذلك في قتيل منهم، قالوا: إن أفتاكم محمد بالدية فاقتلوه وإن أفتاكم بالقود فاحذروه، فلما أرادوا الانصراف تعلقت قريظة بالنضير فقالوا: يا أبا القاسم - وكانوا يكرهون أن يقولوا يا محمد لئلا يوافق ذلك ما في كتبهم من ذكره - هؤلاء إخواننا بنو النضير إذا قتلوا منا قتيلا لا يعطون القود منهم وأعطونا سبعين وسقا من تمر وإن قتلنا منهم قتيلا أخذوا بالقود ومعه سبعون وسقا من تمر وإن أخذوا الدية أخذوا منا مائة وأربعين وسقا وكذلك جراحاتنا على أنصاف جراحاتهم، فأنزل الله تعالى: وإن تعرض عنهم فلن يضروك شيئا وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط، أي فاحكم بينهم بالسواء، فقالوا: لا نرضى بقضائك، فأنزل الله تعالى: أ فحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون.
ثم قال تعالى: وكيف يحكمونك وعندهم التوراة، شاهدا لك فيما يخالفونك، ثم فسر ما فيها من حكم الله فقال: وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين... الآية.