آخر ومضمحلا فيه.
ولتقريب هذا الوجه وتوضيحه نذكر مثالا وهو أنه إذا منع الطبيب المريض المبتلى بضغط الدم مثلا عن الملح ونهاه عن أكله قائلا: لا تأكل الملح لأنه مضر لك، فإنه يشمل جميع أنواع الأكل مستقلا أو ممزوجا، والممنوع عنه المضر بحاله هو هذا الذات سواء أكله على صورته وهيئته أو ألقاه وأدخله في الماء أو الغذاء وبعد أن أذيب فيه بحيث لم يبق منه أثر أصلا ولم يحس هو بنفسه الملوحة أصلا، وكذا سائر ما يمنع عنه كالسموم. هذا في العرفيات.
وأما مثاله في الشرعيات فهو مثل ما إذا نهى الشارع عن أكل أموال الناس فلو أخذ غصبا وظلما مقدارا من الملح من مال الغير وأدخله في الطعام وبعد ذلك أكل من هذا الطعام فهل يمكن له أن يقول: إني ما أكلت من مال الغير وإنما أكلت طعامي؟ وليس هذا إلا لأن الذي منع عنه الشارع هو أكل مال الغير وإن خلطه ومزجه بغيره بحيث اضمحل في مال نفسه، فإنه لا يزول الحكم بزوال الاسم.
هذا ولكن مع ذلك كله فلا يخلو عن إشكال لأن هذا صحيح لو لم يكن المنهي عن أكله عند العرف معدوما فإن الذات حرام يترتب عليه الأثر ما دام باقيا فإذا مزج قطرة من الخمر في حب من الماء لم يكن الخمر موجودا عند العرف حتى يقال بأن قليله أيضا حرام، وإطلاق الشئ لا يشمل عدمه.
وأما الذرات العقلية فهي ليست مصب الأحكام الشرعية وملاكها ولو كان المطلب على نحو ما ذكروه للزم إقامة الحد على من شرب من منبع ماء ومخزنه الذي اجتمع فيه مأة كر أو أكثر إذا صب فيه قطرات من خمر وامتزج بها، وذلك لعدم الفرق بين القليل والكثير على حسب التقرير المذكور. وليس البحث من جهة الطهارة والنجاسة كي يقال بأن الكثير لا يتنجس، وهل يمكن الالتزام بهذا اللازم؟.
ثالثها: النصوص المشتملة على ضرب الثمانين بالخمر والنبيذ قليلا أو كثيرا كمعتبرة أبي بصير المتقدمة وغيرها فراجع باب 4 من أبواب حد المسكر.