من ذهاب عقل أقيم عليه الحد كائنا ما كان (1). يعني أنه يقام عليه الحد مطلقا ولو في حال جنونه. وهذه الرواية وإن ورد في عاقل عرض عليه الجنون بعد ما أوجب عليه الحد لكن لا فرق بينه وبين الأدواري في دور عقله.
ولكن هنا احتمالان يرتفع بكل واحد منهما الاستبعاد المذكور عن إقامة الحد في حال الجنون.
أحدهما: أنه يحتمل كون المراد من: (خولط) ضعف العقل وما هو كمقدمات الجنون لا الجنون المحض فإنه لا معنى لجلد المجنون وهو لا يدرك لماذا يجلد وما هو الأثر المترتب على ذلك؟.
ثانيهما: أنه وإن كان الجنون هو الجنون المصطلح الخالص إلا أن المراد من قوله: كائنا ما كان، ليس هو ما ذكر من تعميم الحكم بالنسبة إلى حال العقل والجنون بل المراد أن الحد لا يسقط عنه مطلقا وإن كان بعد، مجنونا إلا أن ذلك لا يلازم إيقاع الحد وإقامته أيضا في حال الجنون فلو فرض ظهور (خولط) في الجنون فلا بد من أن يكون المراد من: كائنا ما كان، ما ذكرنا، حتى يرتفع الاشكال ولا يراد منه الجنون وغيره عقلا وإلا فليشمل حال النوم واليقظة بل وحال الموت أيضا.
لا يقال: إن الاطلاق بمناسبة الحكم والموضوع يشمل خصوص حالتي الجنون والعقل دون تلك الحالات المختلفة كالنوم والموت وغير ذلك (2).
لأنا نقول: إن الاطلاق منصرف عن الضرب في حال الجنون لأنه لغو وقبيح عقلا إذا فلا بد من أن يراد من قوله: كائنا ما كان، أن الحد عليه مطلقا إلا أنه يقام عليه بعد إفاقته.
وعلى الاجمال فلا بد من الأخذ بواحد من هذين الاحتمالين فإن الجلد في حال الجنون المحض مما لا يساعده العقل بل ينكره أشد الانكار.