فليست من هذا الباب كما أشرنا إليه فلا تناقض بين كلامي الشيخ.
واما قوله الشمس تسخن وجه الأرض من غير ملاقاة وقولك انها تجفف الأرض المبتلة كالطين وأيضا تبيض ثوب القصار وتسود وجهه من غير ملاقاة فنقول فعل الشمس أولا وبالذات ليس الا واحدا متشابها هو الإضاءة والإنارة وهذا امر يحدث دفعه في هذه الأجسام القابلة له المنفعلة ثم إذا قبلت النور دفعه ومضى على وجود الضوء في مادة قابله للضوء والسخونة منفعلة بفعل الضوء فيها فعل السخونة لأجل مناسبة الحرارة للنور فيتسخن الجسم ثم يفعل السخونة في الجسم الكثيف سوادا بعد تجفيفه وفي الجسم اللطيف بياضا بعد تصفيته وتصقيله على حسب اختلاف الأحوال القوابل.
وبالجملة الجسم الحار مثلا كالنار لا يؤثر بالسخونة في شئ الا بالملاقاة والتماس واما ان قابل الحرارة لا يقبل الحرارة من أي فاعل كان الا بالمماسة و بملاقاة فاعل السخونة فهو امر آخر غير لازم من القضية المذكورة وليس بمعلوم الاستحالة إذ لا استحالة في أن تأثر جسم من غير مباشره جسم وان يتسخن قابل من غير مسخن ملاق له أو من مسخن غير متسخن كالحركة ونحوها كما أن كل متحرك لا يجب ان يكون من محرك متحرك بل قد يتحرك من محرك غير متحرك لا على نحو المباشرة بل على نحو المفارقة كحركات نفوس الأفلاك من محركات عقلية على سبيل التشويق والامداد.
فإذا تقرر هذا الكلام فنقول لا امتناع في أن يكون جسم بارد رطب مثلا ثم لا يزال يستحيل في كلتا كيفيته الفاعلة والمنفعلة بسبب أسباب داخله أو خارجه كإضاءة الكواكب وهبوب الرياح حتى يميل برودته إلى الحرارة والرطوبة إلى اليبوسة فيحصل له كيفية معتدلة بسيطه متوسطة هذه الأربع الأوائل الملموسة فيوجد مزاج من غير امتزاج فيكون هناك صوره واحده لها كيفية مزاجية من غير حاجه إلى تركيب اجزاء متصغرة متماسة ومن منع عن تجويز وقوعه فعليه البرهان على استحالة ذلك.