في نفسه هو بعينه وجوده في مادته على نحو الاستغراق والسريان بحيث يكون في كل جزء من المادة جزء منه فكما ان وجود نفس المادة وجود ذات منقسمة فكذا وجود الامر المادي ما يكون منقسما حسب انقسام نفس المادة وذلك كالصور النارية والأرضية وسائر الصور الطبيعية بما هي صور طبيعية وكذا كيفياتها واعراضها التابعة وكمالاتها الثانية.
وليس من هذا القبيل الصورة الحيوانية بما هي حيوانية فلكية كانت أو عنصرية وقد مر سابقا ان فاعليه الشئ يتقوم بوجوده والمفتقر إلى الشئ في وجوده مفتقر إليه أيضا في ايجاده فلو سخنت الحرارة الفاشية في جسمية النار مثلا جسما آخر من غير أن تلاقيه وتماسه حتى يصيرا كأنهما بالاتصال جسم آخر يلزم ان يكون وجود تلك الحرارة في نفسها غير مفتقرة إلى القاء محلهما لما علمت من أن الايجاد فرع الوجود ومتقوم به لكن اللازم باطل فالملزوم مثله.
فثبت ان كل ما وجوده وجود امر فاش مفتقر إلى محل يفشو فيه ويسرى إليه بجميع اجزائه فايجاده وتأثيره أيضا كذلك أي يكون ايجادا وتأثيرا على نعت الفشو والسراية في المحل المتأثر منه ويلزم من هذا انه لا يجوز ان يكون مثل ذلك المؤثر مباين الذات للمتأثر منه وهذه قاعدة شريفة ينتفع بتحقيقها وأعمالها في كثير من المواضع.
وانك إذا استقريت وتصفحت وجدت ان مراتب تأثيرات المؤثرات على حسب مراتب وجوداتها ونسبتها إلى المادة وافتقارها واستغنائها في التأثير والايجاد على حسب نسبتها إليها في الوجود والكون.
فاذن قد ظهر صدق ما ذكره الشيخ من أن الجسم المتسخن من النار ما لم يكن ملاقيا لها حتى يكون وجود القوة المسخنة بالنسبة إليه كوجودها في جسمية النار ومادتها لم يتسخن عنهما وكذا الحال في التبريد والترطيب والتجفيف وغيرها من التأثيرات الطبيعية واما الافعال التي هي كالإنارة والاظلام ووقوع الأشباح والاظلال