تصير الأمور.
ومن الفلاسفة القائلين بحدوث العالم هرقل الحكيم فإنه كان يقول إن أول الأوائل النور الحق لا يدرك من جهة عقولنا لأنها أبدعت من ذلك النور الأول وهو الله حقا وكان يقول إن بدو الخلق وأول هذا العالم المحبة والمنازعة ووافق في هذا الرأي انباذقلس حيث قال الأول الذي أبدع أولا هو المحبة والغلبة.
أقول دلالة هذا الكلام على الحدوث ان كل محب يحب شيئا غير ذاته فهو يتحرك حتى ينقلب إلى محبوبه ويرجع إليه ويفنى فيه لان كل ناقص مشتاق له غاية وكل ذي غاية يتحرك إليها وكل محبوب قاهر على جذب محبه إليه ومحو آثاره بالكلية حتى يصير راجعا إليه كما قال تعالى وهو القاهر فوق عباده.
وهذا لا يوجب الالتفات من العالي إلى السافل لان العالي لا ينفعل من السافل ولكن يحركه ويجذبه إليه ويمحى آثاره ويجعله صائرا إليه من غير تغيير ومباشرة.
وبالجملة وجود المعلول مطلقا عين المحبة لكونها ناقصا مفتقرا إلى ما يكمل به ويتم به ويخرج من فقره إلى غناه فالعالم بجميع ما فيه ومعه يخرج يوما إلى الله ويرجع إليه ويصير إياه كما أنه بدا منه.
ومن القائلين منهم بحدوث العالم ابيقورس قيل إنه خالف أوائل في الأوائل قال المبادئ اثنان الخلاء والصورة اما الخلاء فمكان فارغ واما الصورة فهي فوق المكان والخلاء ومنها أبدعت الموجدات وكل ما كان كون منهما فإنه ينحل إليهما فمنهما المبدء وإليهما المعاد وربما يقول الكل يفسد.
أقول كأنه أراد بالمبادئ مبادئ القوام المقارنة للمعلول كالمادة والصورة لا مبادئ الوجود المفارقة له كالفاعل والغاية فان المادة والصورة داخلتان في وجود هذا العالم ومهيته والفاعل والغاية خارجتان عن وجود هذا العالم وأراد من الخلاء الهيولى الأولى لكونها عدمية خالية عن وجود الصورة في ذاتها ولها امتداد