دثور شخصياته الحسنية وهوياتها المادية بقاء صفوها أي صورها عند الله القيوم لأنه أراد بالأشياء البسيطة الصور العقلية الثابتة وبالأشياء المركبة الصور الجسمانية فلكية كانت أو عنصرية لتركبها من المادة والصورة أو من الوجود والعدم كما علمت من تشابك الوجود والعدم في الممتدات المكانية والزمانية.
ومن الفلاسفة القائلين بحدوث العالم وخرابه فلاسفة فاداميا وانهم كانوا يقولون إن كل مركب ينحل فلا يجوز ان يكون من جوهرين متفقين في جميع الجهات والا فليس بمركب.
فإذا كان هذا هكذا فلا محاله إذا انحل التركيب حل كل جوهر فاتصل بالأصل الذي منه فما كان منها بسيطا روحانيا لحق بعالمه الروحاني وهو باق غير داثر وما كان منها جأشيا غليظا لحق بعالمه أيضا وكل جاش إذا انحل فإنما يرجع حتى يصل إلى الطف فإذا لم يبق من الكثافة شئ اتحد باللطيف الأول فيتحد به فيكونان متحدين إلى الأبد.
وإذا اتحدت الأواخر بالأوائل كان الأول هو أول كل مبدع ليس بينه وبين مبدعة جوهر آخر متوسط فلا محاله ذلك المبدع الأول يتعلق بنور مبدعة فيبقى دهر الدهور خالدا مخلدا انتهى.
أقول كلامه هؤلاء الفلاسفة في غاية الشرف والنفاسة وهو يشتمل على بيان مقصدين شريفين هما اللذان أكثرنا ذكرهما وكررنا تنبيههما.
أحدهما دثور العالم الجسماني ودثور صورته وفساد مادته واضمحلال وجوده وانحلال تركيبه.
وثانيهما اتصال ما تروح وتلطف من الصور الحسية إلى الصور العقلية ورجوع ما صفي ونقي منها إلى العلة الأولى الإلهية فالكل عائد إليه راجع صائر إياه متحد بوجهه الباقي رجوع النقص إلى التمام ومصير الفرع إلى الأصل كما قال تعالى فسبحان الذي بيده ملكوت كل شئ واليه ترجعون وقوله الا إلى الله