حتى أن النار لا يحرق شيئا كالحطب مثلا لأجل ان يحترق المادة وكذا الماء لا يرطب شيئا كالثوب لأجل ان يبتل بل لأجل ان يكمل كل منهما ذاته ويحافظ على جوهره وطبعه.
وكذا النفس لا يدبر البدن لان ينصلح حال البدن ويعتدل مزاجه ويستقيم نظام اجزائه بل لان يبلغ إلى كماله أو يصل إلى غايتها وينال بغيتها وشهوتها فكل موجود سافل له طريق إلى كماله العالي يسلكه طبعا أو اراده وكل من تصور في حقه نوع من الكمال فلا محاله يتوجه إليه ويطلبه أو يشتاق إليه طلبا طبيعيا أو شوقا نفسانيا.
وهذا الطلب والشوق المركوزان في جبله الأشياء لو لم يكن لهما غاية ذاتية ونهاية ضرورية لازمه لكان ارتكازه في الجبلة والغريزة عبثا وباطلا وهباء ومعطلا ولا باطل في الوجود ولا تعطيل في الطبيعة.
فقد علم أن لكل سافل قوة امكان الوصول إلى ما هو أعلى منه.
وهذا الامكان اما ذاتي فقط كما في المبدعات واما استعدادي كما في المكونات ففي الابداعيات إذ قد ثبت الامكان ووجد المقتضى ورفع المانع والقاسر حصل المقصود والغاية والمانع والقاسر لا يوجدان في المفارقات لعدم التضاد و التزاحم كما في عالم الحركات فالوصول متحقق ابدا.
واما في هذا العالم فالقواسر والشرور وان كانت موجودة الا انها ليست دائمية ولا أكثرية لأنها من الأسباب الاتفاقية لا من الأسباب الذاتية للأشياء وقد برهن في مباحث العلة والمعلول ان العلل الاتفاقية أقلية الوجود لا تدوم ومع قلتها وانقطاعها لا يوجد الا في غير الفلكيات.
واما فيها فالطبائع الأثيرية على مقتضى حالها من الفوز بمقاماتها اللايقة فلها الوصول الدائم إلى معاشيقها العقلية من جهة نفوسها الكلية ولها أيضا في كل آن وصول تدريجي إلى مقصودها من جهة نفوسها الجزئية.