فلقد أشرقت أنوار الحكمة في العالم بسببهم وانتشرت علوم الربوبية في القلوب لسعيهم.
وكل هؤلاء كانوا حكماء زهادا عبادا متألهين معرضين عن الدنيا مقبلين إلى الآخرة فهؤلاء يسمون بالحكمة المطلقة ثم لم يسم أحد بعد هؤلاء حكيما بل كل واحد منهم ينسب إلى صناعة من الصناعات أو سيره من السير مثل بقراط الطبيب وأوميرس الشاعر وأرشميدس المهندس وذيمقراطيس الطبيعي ويوذاسف المنجم.
ولكل من هؤلاء الخمسة كلام كثير من أنواع العلوم.
فنحن نذكر ما وصل إلينا في حدوث العالم الجسماني من كلمات هذه الأساطين الخمسة اليونانيين والثلاثة من الملطيين مع ما وجدنا من كلمات غيرهم الذين كانوا بعدهم في الرتبة وذلك لان هؤلاء الثمانية الأعلون بمنزله الأصول والمبادئ والإباء وغيرهم كالعيال لهم وذلك لأنهم كانوا مقتبسين نور الحكمة من مشكاة النبوة ولا خلاف لاحد منهم في أصول المعارف.
وكلام هؤلاء في الفلسفة يدور على وحدانية الباري وإحاطة علمه بالأشياء كيف هو و كيفية صدور الموجودات وتكوين العالم عنه وان المبادئ الأول ما هي وكم هي وان المعاد ما هو وكيف هو وبقاء النفس يوم القيمة وانما نشأ القول بقدم العالم بعدهم لأجل تحريف الحكمة والعدول عن سيرتهم وقلة التدبر في كلامهم وقصور الفهم عن نيل مرادهم فمنهم ثالس الملطي وهو أول من تفلسف بملطية بعد ما قدم إليها من مصر و هو شيخ كبير نشر حكمته.
قال إن للعالم مبدعا لا يدرك صفته العقول من جهة هويته وانما يدرك من جهة آثاره وابداعه وتكوينه الأشياء.
ثم قال إن القول الذي لا مرد له هو ان المبدع كان ولا شئ مبدع فأبدع الذي أبدع ولا صوره له عنده في الذات لان قبل الابداع انما هو فقط وإذا كان هو فقط فليس يقال حينئذ جهة وجهه حتى يكون هو والصورة أو حيث وحيث حتى يكون هو ذو صوره والوحدة الخالصة ينافي هذين الوجهين والابداع تأييس ما ليس بشئ