ولما كان الصغر وسعة التجويف مما يرقق جرمها وجب أن يكون هناك معنى من الوثاقة يتدارك به ما برهنه الامر ان المذكور ان فوجب أن يخلق أصلب الفقرات ولما كان جرم كل فقرة منها رقيقا خلقت سناسنها صغيرة فإنها لو خلقت كبيرة تهيأت الفقرة للانكسار وللآفات عند مصادمة الأشياء القوية لسنسنتها ولما صغرت سنسنتها جعلت أجنحتها كبارا ذوات رأسين مضاعفه ولما كانت حاجتها إلى الحركة أكثر من حاجتها إلى الثبات إذ ليس اقلالها للعظام الكثيرة اقلال ما تحتها فلذلك أيضا سلست مفاصل خرزتها بالقياس إلى مفاصل ما تحيتها ولأن ما يفوتها من الوثاقة بالسلاسة قد يرجع إليها مثله أو أكثر منه من جهة ما يحيط بها ويجرى عليها من العصب والعضل والعروق فيغني ذلك عن تأكيد الوثاقة في المفاصل ولما قلت الحاجة إلى شدة توثيق المفاصل وكفى المقدار المحتاج إليه بما فعل لم تخلق زوائدها المفصلية الشاخصة إلى فوق وأسفل عظيمة كثيرة العرض كما للواتي تحت العنق بل جعلت قواعدها أطول ورباطاتها أسلس وجعل مخارج العصب منها مشتركة على ما ذكرنا إذ لم تحتمل كل فقرة منها لرقتها وصغرها وسعة مجرى النخاع فيها ثقبا خاصة الا التي نستثنيها منها ونبين حالها فنقول الآن ان خرز العنق سبع بالعدد فقد كان هذا المقدار معتدلا في العدد والطول ولكل واحدة منها الا الأولى جميع الزوائد الإحدى عشرة المذكورة سنسنة وجناحان وأربع زوائد مفصلية شاخصة إلى فوق وأربع شاخصة إلى أسفل وكل جناح ذو شعبتين ودائرة مخرج العصب تنقسم بين كل فقرتين بالنصف لكن للخرزة الأولى والثانية خواص ليست لغيرهما ويجب أن تعلم أولا أن حركه الرأس يمنة ويسرة تلتئم بالمفصل الذي بينه وبين الفقرة الأولى وحركاتها من قدام ومن خلف بالمفصل الذي بينه وبين الفقرة الثانية فيجب أن نتكلم أولا في المفصل الأول فنقول انه قد خلق على شاخصتي الفقرة الأولى من جانبيه إلى فوق نقرتان يدخل فيهما زائدتان من عظم الرأس فإذا ارتفعت إحداهما وغارت الأخرى مال الرأس إلى الغائرة ولم يمكن أن يكون المفصل الثاني على هذه الفقرة فجعل له فقرة أخرى على حدة وهي التالية وأنبت من جانبها المتقدم الذي إلى الباطن زائدة طويلة صلبة تجوز وتنفذ في ثقبة الأولى قدام النخاع والثقبة مشتركة بينهما وهي أعني الثقبة من الخلف إلى القدام أطول منها ما بين اليمين والشمال وذلك لان فيما بين القدام والخلف نافذان يأخذان من المكان فوق مكان النافذ الواحد وأما تقدير العرض فهو بحسب أكبر نافذ واحد منهما وهذه الزائدة تسمى السن وقد حجب النخاع عنها برباطات قوية أنبتت لتفرز ناحية السن من ناحية النخاع لئلا يشدخ السن النخاع بحركتها ولا يضغطه ثم إن هذه الزائدة تطلع من الفقرة الأولى وتغوص في نقرة في عظم الرأس وتستدير عليها النقرة التي في عظم الرأس وبها تكون حركة الرأس إلى قدام من خلف وهذه السن انما أنبتت إلى قدام لمنفعتين إحداهما لتكون أحرز لها والثانية ليكون الجانب الأرق من الخرزة داخلا لا خارجا وخاصية الفقرة الأولى انها لا سنسنة لها لئلا تثقلها ولئلا تتعرض بسببها للآفات فان الزائدة الدافعة عما هوى أقوى هي بعينها الجالبة للكسر والآفات إلى ما هو أضعف وأيضا لئلا يشدخ العضل والعصب الكثير الموضوع حولها مع أن الحاجة هناك إلى شوك واق قليلة وذلك لان هذه الفقرة كالغائصة المدفونة في وقايات نائية عن منال الآفات ولهذه المعاني
(٣٠)