وليت شعري ما معنى قول المتكلف إن المسيح كان إلها تاما ولكنه كان كإله، فهل كان المسيح يتقلب حسب هوى المتكلف مرة يكون إلها تاما، ومرة يكون كإله.
وكيف يقول المتكلف كان قديرا حفيظا، مع أن الأناجيل تقول: إن المسيح اعترف بعدم القدرة وعدم العلم، وإن بعض الأمور ليس له أن يعطيها، وتقول الأناجيل إنه حزن واكتئب وسأل من الله بأشد لجاجة أن يعبر عنه كأس المنية فلم تعبر كما ذكرناه في الجزء الأول صحيفة 320، بل يقول الإنجيل إنه قال: على الصليب إلهي إلهي لماذا شبقتني - أي لماذا تركتني - وهذا قول عبد عاجز ضعيف مستغيث بإله يقدر على تخليصه.
وقد جاء في العهد الجديد في شأن المسيح كلمات لو كانت وحدها لأوهمت شيئا من الغلو ولكنها قد جاء مثلها في شأن غيره من البشر، وذلك مما يكفي في رده لتوهم الغلو منها خاسئا، فضلا عن سائر القرائن من ذات العهد الجديد.
فمنها ما يحكيه عن قول المسيح أنا والأب واحد (يو 10، 30) وقد جاء مثله في شأن التلاميذ عن قول المسيح في الدعاء إلى الله ليكونوا واحدا كما نحن (يو 17، 11 و 22).
وقوله في شأن التلاميذ وغيرهم ليكون الجميع واحدا كما أنت أيها الأب في وأنا فيك، ليكونوا هم أيضا واحدا فينا ليؤمن العالم أنك أرسلتني (يو 17، 21)،، وهذا بنفسه وحده يشهد بأن المراد بالوحدة والاتحاد هو الاتفاق على الحق، وأن المراد من قوله (أنت أيها الأب في) هو عناية الله به في تأييده بالمعجزات وإجابة الدعاء ونحو ذلك.
والمراد من قوله: (أنا فيك) إيمانه بالله، والدعوة إلى توحيده وطاعته ونحو ذلك..
وكذا قوله: (ليكونوا هم أيضا واحدا فينا)، فهو كما يحكى من قوله للتلاميذ: في ذلك اليوم تعلمون أني أنا في أبي، وأنتم في وأنا فيكم (يو 14:
20).