المسيح من جهة نسب يوسف، فقالوا: إن لوقا نسب يوسف إلى هالي أبي مريم.
وقد قدمنا في الجزء الأول صحيفة 237 - 241 ما تعرف منه أن هذه الدعوى من تلفيقات الأوهام وتسويلات الخيال عند ضيق الخناق..
دع هذا ولكن الباب الأول من لوقا يؤكد أنه كانت بين مريم واليصابات قرابة وعلاقة اتصال وعواطف، فلماذا لا يكفي هذا في كفالة زكريا لمريم، دع هذا وقل ما المانع لزكريا المؤمن البار أن يتقرب إلى الله بكفالة امرأة عذراء مؤمنة برة من بني إسرائيل، ولا يلزم في الكفالة أن تكون مضطرة يتصدق عليها بالقوت، بل يكفي في ذلك قيامه بأمرها ورعايتها وحمايتها، فهل تمتنع هذه الكفالة بوجوهها في الدين والمروات عند من تقدمت الدنيا بمعارفهم.
وأما الرزق الذي قالت فيه مريم لزكريا (هو من عند الله) فلماذا لا يحمل المتكلف قول القرآن الكريم فيه على أنه رزق يبعثه الله إلى مريم الصديقة البرة برحمته وقدرته، كما يقول العهد القديم إن الله سخر الغربان لإيليا فكانت تأتيه بخبز ولحم صباحا ومساء (1 مل 17، 4 و 6) وكما هيأ له الكعكة (نوع من الخبز) وكوز الماء فنبهه الملاك للأكل والشرب حتى صار بقوة تلك الأكلة أربعين يوما (1 مل 9، 5 - 9).
وماذا ينكر المتكلف على المفسرين في قولهم إن ذلك الرزق لمريم كان من فاكهة الجنة..
فلماذا لا تكون من جنة آدم المذكورة في التوراة (تك 2، 8 و 9)، فهل يقول المتكلف: إن تلك الجنة قد يبست أشجارها ونابها الخراب فلم يساعد الوقت على غرسها وعمارتها..؟ ولماذا لا تكون من الكرمة التي يشرب المسيح جديدا من نتاجها مع تلاميذه في ملكوت الله (مت 26، 29 ومر 14، 25 ولو 22، 18)، أو مما يأكل منه التلاميذ على مائدة المسيح في ملكوته (لو 22، 30).
وأما قول المتكلف إن الجنة ليست محل أكل وشرب بل كل تنعماتها روحية