الروادع وينقاد لتلك التجاريب وما دونها في مقام آخر على رغم ذلك النوع من الروادع وعلى رغم ما هو أقوى منه لا تجد ميزانا في ذلك إلا حالة تفكير الانسان وإقباله بتصوره أو إعراضه وتغاضيه بحسب اختياره.
الشيخ: نعم ربما ينبعث الانسان من المداومة على العمل القبيح ومتابعة نفسانيته الأهوائية والإعراض من هدى عقله وإرشاد المرشدين ويحصل له من ذلك نوع ألفة وانهماك بالأعمال الردية وانغزال؟ عادة الصلاح فيتوهم حينئذ أنه يعسر عليه أن يتوب من أعماله الردية ويتزين بالصلاح. ولكنه توهم فاسد فإنه متى قابل ما ذكر من الألفة والانهماك وعارضه بحسن النظر والتفكير في قبح تلك الأعمال وقبح عاقبتها وأحسن الاقبال بفكره على ذلك فإن تلك الألفة وذلك الانهماك يضمحلان ويبطل أثرهما.
بل تزداد قوته على المعارضة إذا داوم على تفكيره في قبح الأعمال وعلى إرادة ترك القبيح فإنه يسهل عليه الأمر جدا كما هو واضح للمشاهدات والوجدان وأن المداومة تؤثر حتى في الطبيعيات وتحدث في أعضاء الجسم قوة. ترى الانسان إذا تعلقت إرادته بالركض الشديد فاشتد ركضه فإنه لا يقدر حينئذ بحسب طبيعية الجسم على الوقوف بأول فكرة فيه وأول إرادة له وذلك لما يحصل له من قوة الحركة (وهي الحالة التي تسمى عطلة الحركة) ولكنه إذا أقبل على تفكيره في الوقوف وإرادته له فإنه يأخذ بتخفيف الركض إلى أن تزول تلك العطلة فيقف.
على أن ألفة العمل القبيح ليست طبيعية مثل عطلة الحركة التي تسلب الأعضاء والعضلات قدرتها على ضد الحركة ما دامت العطلة. ألا ترى أن أشد الناس انهماكا بالأعمال الفاسدة وألفة لها يجعل ألفته وانهماكه بها تحت قدمه دفعة واحدة إذا حصل له بعض الدواعي التي يمعن فيها بالتفكير وذلك مثل حكم معشوقته أو حضور من يحتشمه أو يخاف منه أو يرجوه أو غير ذلك كما ذكر قريبا. ولكن يا للأسف إن فكرة الصلاح والكمال يتساهل فيها.