المؤمنون المكية الآيتان، 115 و 116: (أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون * فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم).
أول شئ له اسم وعنوان يعرفه نوع الانسان مبدأ لنشء أفراده وتصويرها هو النطفة التي يتعاقب عليها التصوير في الرحم حتى تكون إنسانا مولودا وناشئا ورشيدا. والنطفة هو المقدار من السائل سواء كان مراد القرآن منها هو مني الذكر كما هو المعهود أم سائل بيضة الأنثى أو سائل حويصلتها الجرثومية على الرأي الجديد.
أفلم ير الانسان كيف بلغ به الخلق والتصوير من هذه النطفة إلى حالته التي يشعر فيها بما في هيكله من عجائب التراكيب التي تهتف بخالقها القادر وقصده لغاياتها الشريفة. يكفي في ذلك التراكيب الظاهرة لكل أحد وغاياتها الكبيرة المعلومة. فضلا عما أشرنا إلى بعضه في الجزء الثاني في صحيفة 335 إلى 342 بل إلى 358 من العجائب التي تبهر العقول في بدايع القدرة وبواهر الحكم والغايات. كيف لا تكفي الانسان رؤيته لذلك في إذعانه بأن الذي بلغ به في التصوير والخلق من النطفة إلى حال شعوره ورشده وهو خالق قادر حكيم عالم بالغايات. ترى الانسان تضطره الفطرة في أمر طفيف بالنسبة إلى ما ذكرناه وهو صنع الآلات الصوانية فيذعن بلا شك بأنها صنعت بصنع قادر عالم بغاياتها صنعها لأجل غاياتها فانظر في الجزء الثاني في صحيفة 283 و 285 و 330 في مثال المدينة و 128 في مثال الغار الصخري فكيف يعرقل شعوره ويكابر وجدانه فيتجاهل ويجحد قدرة خالقه وعلمه وحكمته ويكون من أجل ذلك خصما يبين خصومته في أمر المعاد ويتمثل بالعظام التي تبلي وتصير رميما بجهالته. هذا المثل السخيف لجحود المعاد ويقول: إن العظام التي صارت رميما كيف تحيا ومن هو الذي يقدر على جمع أجزائها التي تشتتت وعلى إحيائها ومن هو الذي يحييها.
قل يجمعها وينشئها على صورتها الأولى ويحبوها بالحياة ذلك