ومهما يكن:
فلو التزمنا بإمامة الإمام السجاد عليه السلام، كما تقول به الشيعة الإمامية، وقدماء الزيدية.
أو التزمنا بأهليته للإمامة، كما نص عليه العامة.
أو قلنا إنه من دعاة الأئمة، كما يقول به المعاصرون من الزيدية!
فإن حياة مثله لا يمكن أن تفرغ من التحرك السياسي، الذي عرفنا أنه من مهمات (الإمامة) بل من صميم معناها!
وبعد:
فلو أعرضنا عن كل ذلك، فإن ما نستعرضه في الفصول القادمة، تعطينا الأدلة والبراهين الصادقة، والشواهد العينية البينة، على أن الإمام السجاد عليه السلام، لا أنه لم يعتزل السياسة ولم يبتعد عن شؤونها، فحسب، بل إنه خطط لعمله السياسي أدق الخطط، ودخل معمعة السياسة من الأبواب الواسعة، والخطيرة، بما حقق أهداف الإمامة بأحسن شكل.
وأهم ميزات هذه الخطط أنها كانت دقيقة حتى أنها خفيت على الكثيرين من المؤرخين والدارسين، فراحوا ينكرونها وينفونها.
وأما الحكام والساسة المعاصرون للإمام، فقد أربكتهم تلك السياسة الدقيقة، ولم يتمكنوا من مقاومتها، ولا الوقوف في وجهها، فلم يكن منهم إلا مسايرتها، والتسليم أمامها، وبالتالي التراجع عن كثير من مواقع السلطة التي بنوا عليها نظام حكمهم، وأسسوا عليها أساس ظلمهم وغصبهم للخلافة.
وتفصيل هذا الإجمال، تتكفله الفصول التالية، بعون الله.
ويبدو أن البحث عن إثبات إمامة السجاد عليه السلام قد كان مثارا منذ القرن الرابع فقد قام واحد من كبار علماء الإمامية وهو العياشي السمرقندي محمد بن مسعود السلمي صاحب التفسير المعروف، بتأليف كتاب باسم (إثبات إمامة علي بن الحسين عليه السلام) ذكره النجاشي في رجاله (ص 352) رقم (944) وانظر الفهرست للطوسي (164) رقم (605) ولاحظ الفهرست لابن النديم (ص 325).