فإن تعلم أنك جعلت له فتنة، وأنه مبتلى فيك بما جعله الله له عليك من السلطان.
وأن تخلص له في النصيحة، وأن لا تماحكه، وقد بسطت يده عليك، فتكون سبب هلاك نفسك وهلاكه.
وتذلل وتلطف لإعطائه من الرضا ما يكفه عنك، ولا يضر بدينك، وتستعين عليه في ذلك بالله.
ولا تعازه ولا تعانده، فإنك إن فعلت ذلك عققته وعققت نفسك، فعرضتها لمكروهه، وعرضته للهلكة فيك، وكنت خليقا أن تكون معينا له على نفسك، وشريكا له في ما أتى إليك من سوء.
ولا قوة إلا بالله (1).
وقال عليه السلام - في حقوق الرعية -: وأما حق رعيتك بالسلطان:
فإن تعلم أنك إنما استرعيتهم بفضل قوتك عليهم، فإنه إنما أحلهم محل الرعية لك ضعفهم وذلهم.
فما أولى من كفاكه ضعفه وذله - حتى صيره لك رعية وصير حكمك عليه نافذا، لا يمتنع عنك بعزة ولا قوة، ولا يستنصر في ما تعاظمه منك إلا بالله - بالرحمة والحياطة والأناة.
وما أولاك - إذا عرفت ما أعطاك الله من فضل هذه العزة والقوة التي قهرت بها - أن تكون لله شاكرا، ومن شكر الله أعطاه في ما أنعم عليه.
ولا قوة إلا بالله (2).
إن الإمام عليه السلام في هاتين الفقرتين إنما يخاطب من هم من عامة الناس - سلطانا ورعية - ممن لا بد أن تربط بينهم السياسة، إذ لا بد للناس من أمير، على ما هو سنة الحياة وطبيعة التكوينة الاجتماعية، فلا بد أن تكون لهم حقوق، وتثبت عليهم واجبات، ترتب بذلك حياتهم ترتيبا طيبا كي يعيشوا في صفاء وود وخير وسعادة.
والإمام عليه السلام هنا - يقطع النظر عن الولاية الإلهية التكوينية، ومنصب الإمامة المفروضة تشريعيا على الناس.