يذكر به وتأففت وقالت: هتك ستري برجاله وجنده الذين وكلهم بي، فلما وصلت إلى المدينة ألقى النساء عمائمهن وقلن لها: إنما نحن نسوة.
وكانت هذه المروءة سنته مع خصومه، من استحق منهم الكرامة ومن لم يستحقها، ومن كان في حرمة عائشة رضي الله عنها ومن لم تكن له قط حرمة، وهي أندر مروءة عرفت من مقاتل في وغر القتال وتعدلها في النبل والندرة سلامة صدره من الضغن على أعدى الناس له وأضرهم به وأشهرهم بالضغن عليه، فنهى أهله وصحبه أن يمثلوا بقاتله وأن بقتلوا أحدا غيره، ورثى طلحة الذي خلع بيعته وجمع الجموع لحربه رثاء محزون يفيض كلامه بالألم والمودة، وأوصى أتباعه ألا يقاتلوا الخوارج الذين شقوا صفوفه وأفسدوا عليه أمره وكانوا شرا عليه من معاوية وجنده، لأنه رآهم مخلصين وإن كانوا مخطئين وعلى خطئهم مصرين.
ومنهم الفاضل المعاصر الدكتور السيد الجميلي في " صحابة النبي صلى الله عليه وسلم السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار " (ص 64 ط دار الكتاب العربي - بيروت) قال:
وفروسية علي رضي الله عنه، وبطولته لا ينازع فيها أحد ولا يمتري فيها ذو امتراء، فبعد أن انتصر في وقعة الجمل وقبل موقعة صفين بوقت قليل، نما إلى علمه أن اثنين من كبار شيعته يحملون على معاوية ويشتمونه، ولعن أهل الشام المتمردين على بيعة علي رضي الله عنه، فلما سمع بهما بعث إليهما برسالة يأمرهما أن يكفأ عن شتم معاوية وقذعه بالمقبوحات، فلما أن قدما عليه وسألاه: ألسنا على الحق وهم على الباطل؟ أجابهم: بلى ورب الكعبة، قالا: فلم تمنعنا من شتمهم وسبهم ولعنهم؟ قال علي رضي الله عنه: كرهت لكم أن تكونوا شتامين لعانين ولكن قولوا: اللهم احقن دماءنا ودماءهم، وأصلح ذات بيننا وبينهم، واهدهم من