معتبري الجفاف لا يعتنون بالبلل الباقي في خلال اللحى الكثيفة خصوصا في الشتاء، سيما في الأشخاص الذين لا يؤثر حرارة أبدانهم في ظاهرها أثرا بينا لهرم أو غيره من العوارض، ولا يسع لأحد أن ينسب إليهم الاعتناء ببقاء تلك البلة في حصول الموالاة.
فيعلم أن المدار عندهم على مقدار من الزمان يحصل فيه الجفاف في الأزمنة المعتدلة في الأبدان المتعارفة، وإلا فيرد عليهم ما أورده الأستاذ - طاب ثراه - من سؤال الفرق بين إفراط الهواء في الرطوبة وإفراطه في الحرارة، حيث إن لازم سكوت بعض الكلمات عن حكم الأول عدم بطلان الوضوء بالتفريق فيه أبدا، وإن بلغ من التأخير ما بلغ.
فجعل الموالاة في الجميع معنى واحدا هو الذي يقتضيه أخبار الباب ويناسب اختياره من علمائنا الأخيار، فما يترى من القول بسقوط اعتبارها لضرورة الحر المفرط كما هو ظاهر ما عن الجعفرية من قوله: " ومع التعذر لشدة الحر وقلة الماء قيل بالسقوط، وليس ببعيد " انتهى.
في غاية البعد لمن له انس بالفقه، لنداء كلماتهم بأعلى صوتها بأن الفارق بين الوضوء والغسل الواضح كونه من مميزاتهما المسلم عند الكل هو الموالاة المعتبرة في الأول دون الثاني.
ومنه يتبين أيضا وجه ما أبديناه من عدم الاعتناء بعدم الجفاف الذي يكون على خلاف المتعارف في الغاية، ومن أجله يؤول أيضا ما سمعته عن الذكرى من أن المعتبر في عدم الجفاف الحسي لا التقديري بما يجتمع مع ما ذكرناه إن أمكن، وإلا فليطرح لمخالفته لكلمات القوم وأخبار الباب.
ثم إن قول الماتن: " فلا فرق حينئذ بين الأزمنة والأحوال " مفرعا إياه على قول المعتدل في صنفه الذي ظاهره أن معيار التفريق الموجب للجفاف الذي هو مناط الموالاة يختلف بالنسبة إلى أهل كل صقع وزمان، ويلاحظ بالنسبة إلى اعتدال أهويتهم التي هم فيها، ولا يقدر حال بلد لأهل بلد ولا هواء زمان في زمان مضى،