عملهم، وعظم الكبير الآمر، وأمره ساقط عندهم غير ملتفت اليه أبدا، أو أنهم يعملون العمل لما يشاهدوه من أن الآمر الظالم يؤلم من لم يعمل له ويوجعه ضربا شديدا، فملحوظهم في عملهم ليس إلا دفع ظلم الظالم عن أنفسهم، ولا يعتنون بكبره كما لا يلتفتون إلى اجرته أيضا، فلو قصد الانسان عند إتيانه بمتعلق الأمر تلك المرتبة لا يحق أن يتأمل في فساد عبادته، لعدم تحقق العبادة عنه حينئذ، وعدم صدق الإطاعة على هذا العمل، لأنه ليس حاله في عمله هذا إلا كعمله في محل الجعالة التماسا منه حصول الجعل له.
فيكون عمله لما يترتب عليه نظير شرب الدواء في ترتب خاصيته، ويكون نظره مقصورا على صرف الخاصية ولا نظر له إلى الآمر والجاعل أبدا، مع أن العبادة والإطاعة مأخوذ فيهما ملاحظة مولوية من يعمل له، وأقل مراتبهما ملاحظة طلبه بما هو هو، أو بداعي ما ينشأ منه من ترتب استحقاق الجزاء على امتثاله، وترتب استحقاق العقاب على مخالفته، فإن أراد الماتن من توسل الإخلاص في حصولهما ذلك فلا مناص من أخذه فيهما.
ولينزل كلام سيد المدارك ومن حذى حذوه من القول بكفايتهما على ذلك كما يجب تنزيل كلام المستند من دعواه أنه لو اريد فعله لا لأجل الثواب كان تكليفه به كأنه تكليف بما لا يطاق أيضا على ذلك، يعني أنه لو اريد خلوص امتثال أمره تعالى عن ملاحظة الثواب لكان تكليفا بما لا يطاق في حق أغلب المكلفين لو لم نقل كافتهم، وهذا الذي ذكرناه هو الذي صرح به الماتن في جواهره ونزل عليه كلام الأصحاب.
وبالجملة لا ضير في أن يكون محرك العبد في قيامه بامتثال أمر المولى وفي قيامه بأداء وظيفة الطاعة شوقه إلى الثواب الموعود وزاجره عن ارتكاب مخالفة خوفه عن لحوق العذاب الوعيد، وإنما المضر وقوع الفعل والترك منه بملاحظة نفس الغايتين مغضبا عن المولى رأسا غير ملتفت إلى حيثية اطاعته ومعصيته بالمرة، قاصرا نظره على ترتبهما عليه من قبيل الخاصية كالأدوية كما نشاهده في