فينحصر الخلاف في الأخيرين، والظاهر - كما هو المشهور - الجواز تمسكا بأصالة الطهارة عموما وخصوصا، وصدق الماء المطلق عليه، فيجوز شربه وإزالة الخبث به " (1) انتهى.
وملخص الفرق بين المعنيين للعفو: أن هناك مطلبين لابد وأن يكون أحدهما مرادا للقائل بالطهارة.
أحدهما: الحكم بطهارته و استثنائه من عموم انفعال القليل بالملاقاة.
وثانيهما: أنه ما يثبت له أحكام الطهارة بأسرها، فإن كان مدعى القائل بالطهارة هو المعنى الأول، فيقابله العفو بمعنى أنه نجس ومرخص في مباشرته، وإن كان مدعاه المعنى الثاني فيقابله العفو بمعنى أنه طاهر يخص حكمه بما دون التناول ورفع الحدث والخبث.
ولا ريب أن المتبادر من لفظ " العفو "، الشايع جريانه في لسان القوم هو المعنى الأول، فأما بالمعنى الثاني فغير معهود في كلامهم، فلا ينبغي صرف إطلاقه في كلام من لم يعلم مذهبه إلى إرادة هذا المعنى، وثبوت كون مراد الشهيد منه هذا المعنى - لقضاء دليله به - لا يقضي بكونه في كلام من عداه مرادا به هذا المعنى، كيف وأن أكثر الأدلة المقامة على القول بالطهارة - على ما ستعرفها - إنما تقضي بما يقابل المعنى الأول من العفو، فعرف منه أنه هو المتنازع فيه.
والعجب عن صاحب المدارك كيف غفل عن ذلك في قوله: " والظاهر أن مرادهم بالعفو هنا عدم الطهورية " مع فساد منشأ هذا الاستظهار، وهو الذي ذكره أولا في الاعتراض على المحقق الشيخ علي، وعلى من يجعل العفو مقابلا للقول بالطهارة، لوضوح وهن كل منهما، فإن الطاهر لا ينحصر أحكامه فيما ذكره، بل له أحكام اخر من جواز تناوله، وعدم انفعال ما يلاقيه برطوبة، وجواز غسل ما يباشره من الثوب والبدن بقصد التطهير الشرعي - على معنى إباحته شرعا بعدم دخوله في البدعة المحرمة، نظرا إلى أنه لو كان [نجسا] (2) لكان غسله بعد العنوان بدعة وتشريعا - إلى غير ذلك من الأحكام.
فثبوت بعض أحكام الطاهر لهذا الماء - الذي يلتزم به القائل بالعفو - لا يستلزم كونه طاهرا في مقابلة النجس، لجواز كونه نجسا قد رفع عنه بعض أحكام النجاسة فلا منافاة، وبهذا الاعتبار يصح مقابلة القول بالعفو - بالمعنى الملازم للنجاسة - للقول بالطهارة.