حكم الانفعال بالمرة وكونه محكوما عليه بالطهارة أو هو زوال بعض أحكام النجاسة مع بقاء أصل الوصف الملازم لبقاء البعض الآخر من أحكامها.
وأما الأول على الوجه الثاني: فهو أنه قد خرج ذلك عن حكم الانفعال بالمرة، وحكم عليه خاصة بالطهارة في الشريعة.
وأما الثاني على هذا الوجه: فهو أنه هل يثبت له جميع أحكام الطهارة أو يثبت بعضها وينتفي البعض الآخر، ومن البين أن الخلاف إن كان في الجهة الاولى صح لمدعي الطهارة أن يتمسك بما تقدم من الأخبار الواردة في الاستنجاء، ولمدع العفو حينئذ أن يناقش في دلالة تلك الأخبار، ولا يسوغ للأول الرجوع إلى القواعد الخارجة المقتضية للطهارة من الأصل والاستصحاب والعمومات كما لا يخفى، وإن كان في الجهة الثانية فلا معنى في دعوى الطهارة للرجوع إلى تلك الأخبار، لأنها إنما قضت بخروج الموضوع عن حكم الانفعال، ولا تعرض فيها أصلا لبيان أن هذا الموضوع المحكوم عليه بكونه طاهرا يثبت له جميع أحكام الطهارة أو بعضها، بل لابد له من الرجوع إلى الخارج، ولأجل اختلاط هاتين الجهتين اختلط الأمر كثيرا ما على بعض الفحول، فيتمسك تارة بما يناسب الجهة الاولى، واخرى بما يناسب الجهة الثانية فلاحظ وتأمل، وإذا تقرر هذا كله فلا مناص من إيراد الكلام في الجهتين معا.
أما الجهة الاولى: فالحق فيها أن ماء الاستنجاء وإن كان من أفراد القليل الملاقي للنجاسة، ولكنه لا ينجس بتلك الملاقاة، فهو طاهر لا أنه نجس معفو عنه، خلافا لمن يتوهمه كذلك إن كان؛ إذ ليس له مستند فيما نعلم سوى ما حكي من العمومات الدالة على أن الماء القليل ينجس بملاقاة النجاسة، وهذا إنما يتجه لولا الدليل الوارد الموجب للتخصيص في تلك العمومات.
واحتج موافقونا في الاختيار بوجوه:
منها: ما عن الذخيرة (1) والمشارق (2) ومجمع الفائدة (3) من أصالة الطهارة، واستصحابها، وقد يضاف إليهما العمومات القاضية بأن الأصل في الماء الطهارة.