وقال في جامع المقاصد: " استثنى الأصحاب من غسالة النجاسة ماء الاستنجاء من الحدثين، فاتفقوا على عدم تنجسه، وحكم الصادق (عليه السلام) - بعدم نجاسة الثوب الملاقي له - يدل على ذلك ".
ثم قال: " واعلم أن قول المصنف: " فإنه طاهر " مقتضاه أنه كغيره من المياه الطاهرة في ثبوت الطهارة له، ونقل في المنتهى (1) على ذلك الإجماع " (2).
وقيل: إن ماء الاستنجاء طاهر إجماعا، حكاه ابن إدريس (3) في باب تطهير الثياب " (4).
انتهى واحتمال كون الطهارة في عبارة هؤلاء الأساطين مرادا بها معنى العفو كما ترى.
وعلى أي حال كان فنحن نفرض المسألة خلافية، ونتكلم فيها دفعا لمقالة من لو توهم أن الحكم الثابت هنا إنما هو العفو دون الطهارة، وينبغي قبل الخوض في الاحتجاج أن نشير إلى مقدمة يتضح بها معنى العنوان، ويتحرر ما هو محل النزاع.
وهي: أن المراد بطهارة ماء الاستنجاء - عند أهل القول بها - ما يقابل النجاسة، التي هي عبارة عن الحالة المانعة عن المباشرة، والباعثة على وجوب الغسل، وعدم جواز الاستعمال في التطهير عن الحدث والخبث، و في شربه وتناوله، ولازمه أن يحكم عليه بجميع الآثار الشرعية المترتبة على خلاف النجاسة، من الامور المذكورة وغيرها عدا ما خرج منها بالدليل، كاستعماله في إزالة الحدث المدعى على عدم جوازه الإجماع فيما يأتي بيانه.
وأما العفو المقابل لها، فقرينة المقابلة تقتضي كون المراد به ما يلازم النجاسة مع سلب بعض أحكامها، أعني الحكم بنجاسته مع الرخصة في مباشرته.
ولكن الظاهر من الشهيد في عبارته المتقدمة من الذكرى كون المراد به سلب الطهورية وإن كان أكثر الأدلة المقامة على القول بالطهارة - لاقتضائها الطهارة بالمعنى المقابل للمعنى الأول من العفو - يأبى عن ذلك، حيث قال: " وتظهر الفائدة في استعماله، ولعله الأقرب، لتيقن البراءة بغيره " (5).