المصرح بنفيه في عبارة الجواب إنما هو نجاسة الشئ الأول، نظرا إلى أن نفي اللازم يقضي بنفي الملزوم، بناء على أن الملازمة بينهما عند تحقق اللقاء مع اجتماع شرائط التأثير مركوزة في أذهان المتشرعة فعدم تنجيسه الثوب إنما هو لعدم كونه بنفسه نجسا.
فإن قلت: قضية ذلك حمل السلب في قضية الجواب على كونه باعتبار انتفاء الموضوع، وهو خلاف الأصل.
قلت: إنما يلزم ذلك لو فرض كون النجاسة مأخوذة في موضوع قضية السؤال وليس كذلك، بل الموضوع هو ذات ماء الاستنجاء معراة عن وصف النجاسة، وهذا الموضوع باق في قضية الجواب، وليس السلب الوارد فيه من جهة انتفائه، بل من جهة انتفاء أمر خارج عنه غير لازم له.
فإن قلت: لولا وصف النجاسة مأخوذا في قضية السؤال فلأي فائدة وقع السؤال؟
فإن كل عاقل يعلم بأن الشئ لا ينجس بواسطة ملاقاة الطاهر.
قلت: فائدة السؤال استعلام ما احتمله السائل من قيام وصف النجاسة بماء الاستنجاء، كغيره من المياه القليلة الملاقية للنجاسة الموجب لسرايته إلى ما يلاقيه، فأورد السؤال عن اللازم انتقالا إلى ما هو مرامه من الملزوم.
مع أنه لولا دلالته على عدم النجاسة لما كان دالا على العفو أيضا، بالمعنى المعروف الذي فرضنا البحث من جهته، لأن القائلين به معترفون بأنه نجس، ويوجب النجاسة في مباشره ولكنهم يدعون العفو عنه، على معنى أن هذه النجاسة الحاصلة في الثوب أو البدن من جهة أنها حاصلة عن ماء الاستنجاء لا تقدح في صحة الصلاة أو الطواف أو غير ذلك من مشروط بطهارة الثوب والبدن، بل هي من جهة ما فيها من الخصوصية ملغاة في نظر الشارع تسهيلا للأمر على المكلف، وصونا له عن الوقوع في العسر والمشقة، وقد دلت الرواية على انتفاء النجاسة من الثوب رأسا، لا أنها موجودة ولكنها معفو عنها، وبذلك بطل ما ذكره في التعليل من قوله: " إذ كونه معفوا عنه مطلقا أيضا يستلزم ذلك " إن أراد بقوله: " يستلزم ذلك " استلزامه عدم تنجس الثوب، فإنه مخالف لما عليه أهل القول بالعفو، فلا يمكن حمله على إرادة العفو، ومعه يتعين حمله على إرادة الطهارة؛ للإجماع على انتفاء الواسطة، كما لا يخفى على الفطن العارف.