وفيه: ما لا يخفى من أن الأصل والاستصحاب مما لا مدخل لهما في تعريف الحكم الواقعي، ومع ذلك فقد انقطعا بعموم قاعدة انفعال القليل، ومعه لا معنى للاستناد إليهما، ولعله مبني على القول بمنع العموم في تلك القاعدة، وقد ظهر لك ضعفه في محله، وأما العمومات فالأمر فيها أوهن، لأن الاستناد إليها إنما يصح لو كان الغرض معرفة حكم ذلك بنوعه وخلقته الأصلية ولا كلام لنا فيه، بل الغرض الأصلي هنا معرفة حكمه من حيث قبوله الانفعال وعدمه بالعارض، ولا تعرض في تلك العمومات لذلك نفيا ولا إثباتا، وعلى فرض تعرضها للنفي فهي منقطعة بما يحكم عليها من الدليل الشرعي، إذ المفروض أن العارض وهو ملاقاة النجاسة متحقق، وعموم الدليل على كون هذا النحو من العارض مما يوجب الانفعال قائم، فلا محيص من تخصيصها بذلك، والمناقشة في عموم ذلك الدليل قد تبين دفعها. وبجميع ما ذكر يتبين ضعف ما في شرح الدروس للخوانساري (1) من الاحتجاج بما يقرب مما تقدم من أن الأصل في الأشياء الطهارة والإباحة، وقد عرفت أن أدلة نجاسة القليل لا عموم لها بحيث يشمل ما نحن فيه، وإنما كان التعدي عن الموارد المخصوصة التي وردت فيها الروايات إلى بعض الصور لأجل الشهرة وعدم القول بالفصل وكلاهما مفقودان فيما نحن فيه فيبنى على الأصل فيثبت جواز الطهارة والتناول.
ومنها: ما احتج به جماعة من لزوم العسر والمشقة لولا البناء على الطهارة.
وفيه أولا: منع الصغرى، حيث لا نجد عسرا في التحرز عن هذا الماء أصلا، خصوصا إذا كان الاستنجاء من البول، إذ لو اريد به ما يلزم حالة الاستنجاء من حيث إنها معرض للرشاش، فلدفعه طرق واضحة لا تكاد تخفى على أحد، ولو اريد به ما يلزم من جهة غلبة الابتلاء بماء الاستنجاء بالمباشرة ونحوها فمنعه أوضح، إذ لا نعقل ابتلاء به يكون غالبيا أو كثيرا إلا حالة التشاغل بأصل الاستنجاء، وهو كما ترى لا يقتضي عسرا في التحرز عنه إذا تحقق معه الغسل على النهج المقرر في الشرع، المستتبع لطهارة المحل واليد المباشرة له وزوال الغسالة على النحو المتعارف.
وثانيا: منع الكبرى، إذ لو اريد بالعسر ما ينشأ من الوسواس فلا عبرة به في الشريعة لفساد مبناه، ولو اريد به ما ينشأ من الاحتياط - الذي هو حسن على كل حال