ووجه الظهور: أن قوله: " لتيقن البراءة بغيره " دليل استدل به على ما احتمل كونه أقرب وهو العفو، ولما كان الدليل لابد من انطباقه على المدعى، فذلك يكشف عن أن المشكوك فيه - الذي يبحث عنه - إنما هو كون ماء الاستنجاء طهورا - أي رافعا للحدث - وعدمه، فحكم عليه بالعدم لأن اليقين بالبراءة لا يحصل باستعماله بل يحصل باستعمال غيره، وإلا فلو كان المبحوث عنه هو العفو - بمعنى النجاسة مع الرخصة في المباشرة - لم يلزم من تيقن البراءة بغيره كونه في الواقع نجسا مع الرخصة في مباشرته.
ولا يمكن أن يقرر هذا الدليل بالقياس إلى الصلاة بثوب باشره هذا الماء، لأنه لو تم لقضى بالنجاسة المطلقة، الملزومة لعدم الرخصة في مباشرته، وهو خلاف المدعى.
ومن هنا ترى أن غير واحد من أصحابنا استظهر منه ذلك، كصاحب المدارك وتبعه صاحب الحدائق، فقال في الأول: " اعلم أن إطلاق العفو عن ماء الاستنجاء يقتضي جواز مباشرته مطلقا، وعدم وجوب إزالته عن الثوب والبدن للصلاة وغيرها، وهذا معنى الطاهر، فلا يستقيم ما نقله المحقق الشيخ علي في حواشي الكتاب عن المعتبر أنه اختار كونه نجسا معفوا عنه، بل ولا جعل القول بالعفو عنه مقابلا للقول بطهارته.
والظاهر أن مرادهم بالعفو هنا عدم الطهورية كما يفهم من كلام شيخنا الشهيد (رحمه الله) في الذكرى، حيث قال - بعد نقل القول بالطهارة والعفو -: " وتظهر الفائدة في استعماله، وقد نقل المصنف في المعتبر، والعلامة في المنتهى الإجماع على عدم جواز رفع الحدث بما تزال به النجاسة مطلقا، فتنحصر فائدة الخلاف في جواز إزالة النجاسة به ثانيا والأصح الجواز تمسكا بالعموم، وصدق الامتثال باستعماله " (1).
وقال في الثاني - بعد نقله القولين -: " وربما أشعر ذلك بكون العفو عبارة عن الحكم بنجاسته مع الرخصة في مباشرته، والذي يظهر من كلام الذكرى - وتبعه عليه جماعة ممن تأخر عنه - كون العفو هنا إنما هو بمعنى سلب الطهورية، حيث قال - بعد نقل القولين -: " وتظهر الفائدة في استعماله " وحينئذ فيصير محط الخلاف في جواز رفع الحدث أو الخبث به وعدمه، وكذا تناوله وعدمه، إلا أنهم نقلوا الإجماع أيضا على عدم جواز الرفع بما تزال به النجاسة مطلقا، كما سيأتي في تالي هذه المسألة، وحينئذ