ثم قال - بعد ذلك بقليل -: " ولو اتصل الواقف بالجاري اتحدا مع مساواة سطحهما، أو كون الجاري أعلى لا العكس، ويكفي في العلو فوران الجاري من تحت الواقف " (1).
فاعتبر في صدق الاتحاد مساواة السطحين أو علو الكثير، وممن صرح بتناقض هذين الكلامين المحقق الخوانساري (2) عند شرح الكلام الأول، وعن صاحب الذخيرة (3) أنه جعلهما من باب الاضطراب في الفتوى الذي نسبه إلى جماعة من متأخري الأصحاب.
وأنت إذا تأملت لوجدت أن ذلك ليس على ما ينبغي، لما أفاده خالنا العلامة دام ظله (4) من إمكان حمل مسألة اتصاف الواقف بالجاري والحكم باتحادها مع مساواة السطح أو علو الجاري دون العكس، على كون الواقف المتصل بالجاري بمنزلة الجاري في جميع أحكامه التي منها تطهير ما ينفعل من الماء عند تحقق أحد الشرطين المذكورين، لا في عدم الانفعال بالملاقاة خاصة كما هو موضع البحث في مسألة الكر، بخلاف ما لم يتحقق فيه الشرط، فيمكن أن يقول فيه حينئذ بعدم الانفعال بالملاقاة، بناء على أن الأعلى يتقوم بالأسفل كما أن الأسفل يتقوم به، وإن لا يقول به فليست العبارة بصريحة في التناقض ولا ظاهرة فيه.
وكيف كان: فاعترض صاحب المدارك عليهم - في القول بعدم تقوي الأعلى بالأسفل -: " بأنه يلزمهم أن ينجس كل ما كان تحت النجاسة من الماء المنحدر إذا لم يكن فوقه كرا، وإن كان نهرا عظيما وهو معلوم البطلان " (5).
وعن صاحب المعالم (6) دفع ذلك بإمكان التزام عدم انفعال ما بعد عن موضع الملاقاة بمجردها لعدم الدليل عليه؛ إذ الأدلة على انفعال ما نقص عن الكر بالملاقاة مختصة بالمجتمع والمتقارب، وليس مجرد الاتصال بالنجس موجبا للانفعال في نظر الشارع وإلا لنجس الأعلى بنجاسة الأسفل لصدق الاتصال، وهو منفي قطعا، وإذا لم يكن الانفعال بمجرده موجبا لسريان الانفعال، فلابد في الحكم بنجاسة البعيد من دليل.
نعم، جريان الماء النجس يقتضي نجاسة ما يصل إليه، فإذا استوعب الأجزاء