الكميت إلى مولى يقال له صاعد فقال: يا صاعد! الق له شيئا! فألقى إليه صاعد ذراعا من لحم فأكلها، ثم قال: صب له شولا من ماء! قال: فصب له صاعد بقية ماء كان في القربة، فشرب. فقال الكميت: أجرنا إن شاء الله تعالى! قال: ثم سار القوم فجعل الذئب يعوي عواء شديدا، قال بعضهم: ويله! فما له يعوي؟ أليس قد أكل وشرب؟ فقال الكميت: أظنه يخبرنا أنا على غير طريق وقد صدق فتيامنوا، فتيامن القوم فسكن عواؤه. قال: فلم يزل الذئب يتبع الكميت وأصحابه ويطعم ويسقى إلى أن نظر القوم إلى أقطار الشام فانصرف عنهم الذئب، فأنشأ الكميت يقول:
لقينا بها ذئبا ضريرا كأنه * إلى كل من لاقى من الناس مذنب مضيعا إذا أثرى كسوبا إذا عدا * لساعته ما يستفيد ويكسب تضور يشكو ما به من خصاصة * وكان من الافصاح بالشكو يعرب فنشنا (1) له من ذي المزاود بضعة * وللزاد آسار تلقى (2) وتوهب وقلنا له هذا لك اليوم عندنا * ومن ذي الأداوي عندنا لك مشرب فصب له شولا من الماء صاعد * فسكن عنه غلة تتلهب قال: ثم دخل الكميت أرض الشام ليلا، وصار إلى مسلمة بن عبد الملك مستجيرا به من هشام بن عبد الملك، فوقف بين يديه وأنشأ يقول:
يا مسلم بن أبي الولي * - د لميت (3) إن شئت ناشر كم قال قائلكم لعا * لك عند عثرته لعاثر (4) وغفرتم (5) لذوي الذنو * ب من الأصاغر والأكابر فلقد نزلت إليكم * غير المبجل للمعاذر علقت حبالي من حبا * لك ذمة الجار المجاور ومحل بيتي من بيو * تك غير منقض الدوائر فالآن صرت إلى أمي * - ة والأمور إلى المصاير