إلى آخرها.
وانهزمت الخزر على وجوهها، والمسلمون في طلبهم حتى بلغوا بهم إلى شاطئ لهم (1)، ثم رجعوا عنهم وساقوا الأسارى والغنائم إلى باجروان.
قال: وإذا بصاحب الفرس الأشهب قد أقبل إلى الحرشي فقال: السلام عليك أيها الأمير ورحمة الله وبركاته! قم أيها الأمير وناد في أصحابك فليركبوا. فهذا نارستيك بن خاقان عدو الله قد التأم عليه عامة من شذ عنه من أصحابه، وقد أقبل إليك في جمهور الطراخنة وفرسان الخزر، وقد نزل على نهر موقان (2) في جمع عظيم وجيش كثير، فلا يهولنك أمرهم أيها الأمير! فإن الله ناصرك وخاذلهم وجاعل دائرة السوء عليهم، فإني خائف أن يصبحك غدا في جمعه ذلك وليس الامر بصغير، وقد أعذر من أنذر. قال: ثم تركه ومضى، ونادى الحرشي في أصحابه من المسلمين أن لا يبقى أحد من المسلمين صغير ولا كبير إلا ركب واستعد للموت.
قال: فركب المسلمون بأجمعهم، ويقولون: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، بالله استعنا وعليه توكلنا وهو حسبنا ونعم الوكيل! قال: ثم دعا الحرشي بقوم من ثقات أصحابه وأمرهم بحفظ مدينة باجروان ومن بها من المسلمين والمسلمات والغنائم، ثم سار في ثلاثة وخمسين ألفا من أهل الشام والجزيرة ومن التأم إليه من جميع البلاد حتى وافى نهر موقان (3)، وإذا نارستيك بن خاقان هنالك في تسعين ومائة ألف. فلما نظر إلى غبار خيل المسلمين وثب فعبى أصحابه، ودنا منهم الحرشي على غير تعبية حتى وافقهم هنالك، ثم دعا بعصابة فعصب بها حاجبه وقال: أيها الناس! هل فيكم من يعرف نارستيك بن خاقان؟ فقالوا: نعم، هو صاحب التاج الواقف تحت البيداء الأعظم الذي عليه الرأس. فقال الحرشي: وما ذلك الرأس؟ قالوا: رأس الجراح بن عبد الله، قال: فدمعت عينا الحرشي ثم قال: إنا لله وإنا إليه راجعون! لا خير في الحياة بعد هذا اليوم. ثم صاح بالناس فحمل وحملوا معه، فلم يكذب الحرشي أن وصل إلى نارستيك بن خاقان فضربه على تاجه ضربة صرعه عن فرسه إلى الأرض. قال: واجتمعت إليه الخزر فخلصوه من المعركة، واشتد القتال بين الفريقين فقتل من المسلمين ومن الخزر خلق كثير، وغرق في نهر موقان ما لا يحصون كثرة، وانهزم الباقون نحو البحر، ثم أخذوا على