الساحل حتى صاروا إلى مجمع النهرين من الكر والرس، فأنشأ رجل من قيس غيلان يقول أبياتا مطلعها:
وقيس أوطأت خاقان ذلا * وقائع منهم فيها اعتداء إلى آخرها.
قال: وجاء الليل فهجم على المسلمين والحرشي قاعد ما ينام وسلاحه عليه، فكلما جاء رجل في جوف الليل يقول الحرشي: من أنت؟ فيقول: أنا فلان أصلح الله الأمير! فلم يزل الحرشي كذلك يفتقد فرسان أصحابه حتى حلوا بأجمعهم إلا رجلا واحدا وهو الهذيل بن زفر بن الحارث الكلابي. قال: فاغتم الحرشي له غما شديدا ولم يدر ما حاله، حتى إذا كان في الثلث الأخير من الليل إذا رجل قد أقبل، فقال الحرشي: من هذا؟ أنا فلان أصلح الله الأمير! قال الحرشي:
ويحك! هل رأيت الهذيل بن زفر؟ فقال: نعم أيها الأمير رأيته على فرس له أبلق وهو يحاول رجلا من الخزر على شاطئ النهر، فلا أدري إلى ماذا صار أمره، قال الحرشي: ويحك! فهلا وقفت عليه وأعنته بنفسك! سوءة لك من رجل! وإن كنت عربيا فلا أكثر الله في العرب مثلك! أترى رجلا مسلما يحاوز رجلا كافرا فلا تعينه بنفسك! قال: فلما أصبح إذا بالهذيل بن زفر قد أقبل ورأس الخزري معلق من سرجه، فقال له الحرشي: ويحك يا هذيل! لقد غررت بنفسك في مثل هذا الكلب! فقال الهذيل: أصلح الله الأمير لقد لقيت منه عشاء ولا مارست في هؤلاء الخزر رجلا هو أشد منه.
قال: ثم جمع الحرشي غنائم الخزر وسار حتى صار إلى باجروان، فأخرج من تلك الغنائم كلها الخمس، وقسم باقي ذلك في المسلمين، فبلغ منهم كل رجل من المسلمين ألف وثمانمائة دينار سوى الأثاث والدواب. قال: ثم وجه الحرشي بالخمس من تلك الغنائم إلى هشام بن عبد الملك وكتب إليه يخبره بما فتح الله عز وجل على يديه من الخزر، فسر هشام (1) بذلك سرورا شديدا، ثم كتب إلى الحرشي يجزيه ويجزي المسلمين خيرا ويبشرهم بثواب الله الجزيل الذي وعد عباده المجاهدين في سبيل الله.
قال: وهربت الخزر على وجوهها نحو بلادهم والمسلمون في طلبهم حتى