عمرو الحرشي فأرسل إلى ورثان والبيلقان وبرذعة وقبلة (1) وإلى جميع بلاد أرمينية، فحشر إليه الناس من المزرفة (2) والمطوعة (3) وسائر الناس، فسار بهم في جمع عظيم. قال: وإذا بصاحب الفرس الأشهب قد أقبل فقال: السلام عليك أيها الأمير ورحمة الله وبركاته! فقال له سعيد بن عمرو: يا هذا أنت رجل مبارك علينا، وذلك أنك عرضتنا للغنيمة والشهادة غير مرة، وقد اجتمعت لك عندنا جوائز وقد أمرنا لك بها، فلم لا تأخذها يرحمك الله؟ فقال: تكون هذه الجوائز عند الأمير إلى وقت حاجتي إليها، ولكن هل للأمير في نارستيك بن خاقان وجيشه وفي الجهاد والغنيمة؟
قال الحرشي: ما أحوجنا إلى ذلك! قال: فإنه قد سار إلى ما قبلك في جمع عظيم ومعه أربعون ألف عجلة عليها المسلمون والمسلمات والذراري والأمتعة، فإن أردتهم فهذا وقتهم. قال: ثم مضى الرجل، ونادى الحرشي في أصحابه، فركبوا بأجمعهم، ثم سار بهم سيرا عنيفا حتى وافى بهم أرض برزند (4) وبها يومئذ نارستيك بن خاقان في جملة عساكر الخزر، فلما نظر إلى عساكر العرب واقفة عبى أصحابه تعبية الحرب، وعبى الحرشي أصحابه كذلك في وقت العصر، وتقدم على برذون له أدهم وسيفه على عاتقه، وتقدم المسلمون معه نحو الخزر. قال:
وصدقتهم الخزر القتال فدفعوا المسلمين دفعة اضطروهم إلى سفح الجبل. فلما نظر الحرشي إلى ذلك حسر البيضة عن رأسه ثم وعظ الناس وذكرهم وحرضهم على القتال، وقال: ويحكم! يا أهل الاسلام إلي! تنهزمون من بين يدي هؤلاء الأغنام الذين لا يعرفون الله ولا يعبدونه، أما تسمعون أطيط العجل عليها المسلمون والمسلمات أسارى ينادون: وا محمداه! وا أبا القاسماه! قال: فثاب إليه المسلمون من كل ناحية، ثم إنهم صدقوا القتال فقاتلوا قتالا شديدا، وصدق الله وعده وأعز جنده ونصر أولياءه وأذل أعداءه، وانهزمت الخزر من بين يدي المسلمين هزيمة قبيحة ومعهم ملكهم نارستيك بن خاقان، واحتوى الحرشي وأصحابه على سوادهم وأموالهم وقليلهم وكثيرهم، وحاز العجل ومن عليها من المسلمين والذراري والأمتعة، وأنشأ رجل من المسلمين في ذلك يقول أبياتا مطلعها:
لنا هضبة تعلو الهضاب بعيدة * من الذل يخشى درها من يحاربه