طريقه فوق مدة المسافرين في بلد للحاجة لجباية المال أو لانتظار الرفقة أو لغير ذلك من المصالح لمال القراض، كانت النفقة على مال القراض أيضا، لأنه من مصلحة القراض أما لو أقام للراحة أو للتفرج أو لتحصيل مال له أو لغير مال القراض، فإنه لا يستحق عن تلك المدة شيئا من مال القراض للنفقة، أما لو أقام للتجارة أو لأمر آخر بحيث يكون كل منهما علة تامة في المكث ففي اختصاص النفقة في مال القراض للاطلاق وعدمه للأصل والتوزيع أوجه، أقواها الأول، كما أن أقويها الأخير لو تركب الداعي منهما، بحيث يكون كل منهما جزء العلة، والمراد بالنفقة ما يحتاج إليه فيه من مأكول ومشروب وملبوس ومركوب، وآلات ذلك كالقربة والجوالق، وأجرة المسكن ونحو ذلك مما هو داخل في اسم النفقة الآتي إنشاء الله تفصيلها في النفقات.
وحينئذ فليس المراد مؤنته المندرج فيها جوائزه وعطاياه وضيافاته، وغير ذلك مما مر بيانها في كتاب الخمس، وبذلك يظهر لك أن معنى قوله عليه السلام " ما أنفق " ما يذهب منه نفقة له، لا أن جميع ما يتلفه، وهو الموافق للأصل.
نعم يراعى فيها كغيرها من النفقات ما يليق بحاله عاده على وجه الاقتصاد فلو أسرف حسب عليه، وإن اقتر لم يحسب له، لأنه لم ينفق ذلك، وعلى كل حال فإذا عاد من السفر فما بقي من أعيان النفقة ولو من الزاد يجب رده على التجارة، كل ذلك ما لم يشرط عليه عدمها، وإلا لم يجز للعامل، ولو أذن له بعد ذلك فهو تبرع محض، ولو شرطها على المالك فهو تأكيد، ويقوى حينئذ وجوب تعيينها حذرا من الجهالة، بناء على اعتبار عدمها في مثل المقام، ولعله لا يخلو من نظر، بل ربما قيل بعدم وجوب ضبطها حتى على الأول، لكونها ثابتة بأصل الشرع فلا يزيد الاشتراط على الثابت بالأصل، وإن كان فيه ما لا يخفين، ضرورة عدم رجوع ذلك إلى شئ من العقد مع عدم الاشتراط بخلافه معه.
ثم إن ظاهر النص والفتوى عدم اعتبار ثبوت ربح في النفقة، بل ينفق ولو من أصل المال إن لم يكن ربح، لكن لو ربح بعد ذلك أخذت من الربح مقدمة على حق العامل، ضرورة كون ذلك كالخسارة اللاحقة للمال التي يجب جبرها بما يتجدد من