ومن أجل هذه العاصفة الهوجاء التي أثيرت علينا رأينا أن نعيد النظر في دراسة تاريخ (شيخ المضيرة) (1) من جميع نواحيه دراسة مستفيضة شاملة، حتى تبدو للناس شخصية هذا الصحابي المشهور على حقيقتها، وتتضح لهم على وجهها - فرجعنا إلى ما بين أيدينا من المصادر الموثوق بها عند أهل السنة - وقد اعتمدنا عليها وحدها في هذه الدراسة ولم نرجع إلى غيرها، حتى لا يرمينا غبي جاهل بالتشيع ويقول: إنه يأتينا بكلام لا نعرفه، ولا نثق به!
وكذلك عدنا إلى ما كنا قد احتجناه لدينا من المواد التي استخرجناها من بطون هذه الكتب أثناء دراستنا الطويلة لموضوع كتابنا الكبير، تلك الدراسة التي استغرقت أكثر من خمس عشرة سنة، ولم ننشر كل ما فيها في الطبعة الأولى مراعاة للاختصار، وإشفاقا على من لا يحتملون صولة الحق من أن يصيب عقولهم وعقائدهم مس! إذا نحن فاجأناهم بكل ما لا يفهمون! وما لا يعقلون!!
رجعنا إلى كل ذلك لنسوي منه بحثا كاملا مستوفى لتاريخ أبي هريرة، غير مبالين أن يطول هذا البحث أو يقصر، لان موضوعه خطير، والكلام فيه ليس بالسهل اليسير، وقد نهجت فيه منهجا واضحا مستقيما، - وهو سبيل المؤرخ الذي يتحرى الصدق والأمانة مبتغيا بعمله وجه الله ورضا العلم، وأداء حق التاريخ، فإذا هو انحرف عن هذا الصراط المستقيم، ومال به عن النهج القويم، ضل وغوى.
هذا هو منهجي الذي اتخذته في كتابي هذا وفى غيره، ولا يعنيني بعد ذلك أن يغضب على زيد، أو يرضى عنى عمرو. ولا أكتم القراء أنه منهج شاق عسير، ولكني استعذبته ورضيت به مغتبطا لأنه سبيل الحق، وليس بعد الحق إلا الضلال، وقد استعنت الله فيه فأعانني، واستهديته فهداني.
وما كدت أفرغ من بحثي هذا حتى رأيته قد امتد وطال فبلغت صفحاته حوالي خمسين ومئة صفحة (2) على حين أنه كان في الأصل لا يتجاوز خمسين صفحة.