فإذا ما انتهى إلى مسمعه أن نبيا ظهر بمكة بدين يدعو إلى مساعدة البائسين، وسد عوز المحتاجين، فإنه ولا ريب يغتبط بذلك ويشرق قلبه فرحا!
وإذا ما بلغه كذلك أنه بعد أن هاجر إلى المدينة قد أصبح مأوى المجاويع، وأنه قد جعل للفقراء الذين يقصدون المدينة مكانا خاصا يؤون إليه، يطمعهم فيه ويسقيهم (!) فإن نفسه تشرئب ولا جرم إلى ذلك، ويتمنى لو يضمه هذا المأوى ليطعم فيه، ويكفي مشقة خدمة الناس، وما يلقى في سبيل ذلك من نصب؟
وإذا علم غير هذا وذاك، أنه قد جعل للفقراء والمساكين نصيبا في مغانم الحرب وأنه (صلوات الله عليه) قد اتخذ له موالي وخدما (2)..
إذا ما انتهى إليه كل ذلك وغيره فترى ماذا يكون أمره؟
إنه ولا شك يطير فرحا، ويهيم سرورا، وتشتد به الرغبة، ويستبد به الطمع، وتلح عليه الحاجة، في أن يهرع إلى صاحب هذا الدين ليعيش في كنفه، ويستظل بظله.
هذا أمر لا شك فيه، والجبلة الانسانية تميل إليه وتبعث عليه " ولكن أنى له بلوغ ذلك، وكيف السبيل إليه وهو يسمع فيما يسمع كذلك أن الناس يحاربون هذا النبي وأصحابه، وأن النضال المسلح متصل بينهم وبينه لا ينقطع - وهو بطبعه يريدها سهلة غير ذات شوكة، لأنه ليس من أبطال الحروب، ولا عهد له بميادين القتال، وأنه لم يخلق إلا ليخدم ويطعم من أجر خدمته!
تلقاء ذلك لم يجد مناصا من أن يصبر على مضض وأن يرتقب حتى تسكن غمغمة الحرب بين النبي وأعدائه، ويرى لمن تكون الغلبة، شأنه في ذلك شأن غيره في ذلك العهد ممن على شاكلته. وهم الذين كانوا يقولون في أنفسهم " دعوه وقومه فإن غلبهم دخلنا في دينه. وإن غلبوه كفونا شره ".
وظل أبو هريرة يرتقب حتى فتح الله على نبيه ورسخت قواعد الدين.