وهذا الحديث الذي نتحدث عنه هنا ليس هو الأول من غرائبه، وإنما له نظائر كثيرة. ومن هذه النظائر ما قرأت نبأه قبل ذلك في قصة الثوب والمزود والأجربة، ومنها ادعاؤه أنه كان مع أبي بكر في حجته! وأن النبي صلى الله عليه وآله قد وكله بحفظ زكاة رمضان! وغير ذلك من مزاعمه التي لا تحصى.
ولو أنت رجعت إلى مسنده فدرسته دراسة علمية عميقة، وأردت أن تحصى ما فيه من الغرائب والخرافات والترهات لملأت من ذلك كتابا ضخما برأسه.
وإذا كان تاريخ أبي هريرة قد حمل ما حمل من العجائب مما قد يمكن السكوت عليه، وغض النظر عنه، فإن هذه الغرائب الثلاث المضحكة لتثير أعظم الدهش، وأشد العجب، إذ لا يمكن أن يصدقها أي عقل، إلا إذا كان متعفنا، ومن أجل ذلك لا يمكنا أن نسكت عليها، أو لا نقف فيها.
ومن العجيب المذهل أن هذه الغرائب - أو الخرافات - قد اتخذت سبيلها في التاريخ الاسلامي من لدن تدوينه إلى اليوم، وتمكنت من عقول جمهور المسلمين وأفكارهم، لتفعل فعلها مطمئنة، فلا يتكلم أحد فيها، ولا يقف باحث عندها، ويقولون كيف لا نصدقها، والذي صاغها (صحابي جليل (1)) وكل ما يأتي به أي صحابي فهو صحيح لا ريب فيه. وإذا كانت هذه القاعدة العقيمة التي أضحكت الناس علينا - قد أوجبها التقليد والجمود من قبل، فإنها قد أضحت الآن مما لا يمكن بأي حال أن تتبع، وبخاصة أن وراء مثل هذه الخرافات أمرا خطيرا يجب الالتفات إليه، ووضعه موضع الاعتبار، ذلك أن هذه الخرافات ومثيلاتها مما يرويه أبو هريرة - أو غيره - متصلة كلها بشخص رسول الله صلوات الله عليه أو بدينه، فإقرارها أو السكوت عليها، مما يسوء - ولا ريب - مقام النبي، ويجلب النقد إلى دينه، وقد أصبح للناس عقول يفهمون بها، وعلوم يزنون بموازينها - وإن التغاضي عن مثل هذه الخرافات ليدع للناس أن يقولوا: إن هذا الرسول يأتي بالخرافات، وإن دينه مبنى على الترهات. على حين أنه صلوات الله عليه ما بعث إلا لهدم الخرافات